ياسين تملاليورغم أنه رئيس مثقف لا يكتفي بترديد ما يكتبه له مستشاروه، لم يكلّف أوباما نفسه عناء التفكير في حقيقة «العالم الإسلامي» الذي توجّه إليه بالكلام: هل هو موجود حقاً، أم أنه أحد مخترعات «المستشرقين الجدد»، عوضوا به عن خصم نبيل افتقدوه، «العالم الشيوعي»؟ ورغم أنه انتقد نظرية هنتنغتون عن صراع الحضارات بين «الغرب» و«الإسلام»، فإنه بطريقة ما أقرّ بصحّتها وهو يختزل 57 دولة، تمتد رقعتها من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهندي، في معتقد ديني تختلف أشكال ممارسته من بلد إلى آخر باختلاف الجغرافيا والتاريخ.
ورغم أنه، على عكس جورج بوش، لا يؤمن بنظريات «المستشرقين الجدد»، خُدّام التوسع الأميركي من أمثال برنارد لويس، فإنه على ما يبدو يؤمن بإحدى أفكارهم الأساسية: الإسلام هوية «العالم الإسلامي» الأساسية، وفهمه مفتاح فهم أية دولة «مسلمة».
ولا يكمن خطر حديث أوباما عن «العالم الإسلامي» ككيان متجانس في كونه خطأً نظرياً فحسب. خطره كذلك في أنه اعتراف ضمني بصحة أطروحات الحركات الإسلامية عن وجود «أمة واحدة من المحيط إلى المحيط»، تتعرض في العراق والصومال وأفغانستان والفيليبين لـ«هجمات قوى الشرك»، وعن كون الوسيلة الأجدى لصد هذه الهجمات هي بإقامة دول دينية تقارع «الغرب» بمثل سلاحه المزعوم.
«لن تدخل أميركا في صراع مع الإسلام»، قال أوباما، كأنه يعتذر عن دخول سلفه بوش مثل هذه الحروب. لكن هل كانت الحملات العسكرية في أفغانستان والعراق «حملات على الدين الإسلامي» أم على المسلمين؟ من حقنا أن نشكك في ذلك، فأميركا بوش قوّضت نظام «الطالبان» بمساعدة «تحالف الشمال» الإسلامي، ونصّبت مكانه نظام حميد قرضاي المولع هو الآخر «بتطبيق الشريعة». أميركا ـــــ بوش قضت على حكم صدام حسين شبه العلماني واستبدلته بحكم ديني لا غبار عليه، كما أن قائمة حلفائها في «العالم الإسلامي» تشمل دولاً متزمتة كالسعودية، تمنع النساء من قيادة السيارات، وأخرى كتونس تمنحهن حق الإجهاض في المستشفيات الحكومية، دولاً تطبق الشريعة كباكستان وأفغانستان، وأخرى كتركيا يُقال رئيسها إذا لم يحترم «طابع المؤسسات العلماني»، دولاً تعترف بالأحزاب الدينية كالأردن، وأخرى كمصر تناصبها العداء...
هل يعني هذا أن بوش لم يكن يؤمن بـ «صراع الحضارات» ولا بأن «الإسلام خطر على الحضارة الأميركية»؟ لا طبعاً. يعني فقط أن اقتناعاته هذه لم تتجلّ في سياسة بلاده الخارجية. فالمصالح الأميركية أعقد من أن تسير من زاوية إيديولوجية متصلبة. وهي تجلت أساساً في خطاب يميني عن «الحضارة الأميركية» وجّه إلى الاستهلاك الداخلي، أملاً بحشد الأميركيين وراء مطامع رأسماليتهم الآفلة.
ومع ذلك، فما أسهل أن نجد في خطب الرئيس الأميركي السابق ما يناقض هذه الأفكار تمام المناقضة. لنذكر أنه في إندونيسيا، في 2003، وصف الإسلام بأنه من «أعظم الديانات»، مؤكداً «عدم تعارض مبادئه مع مبادئ الحرية والتسامح والتقدم». لنذكر أنه في 2007، في المركز الإسلامي بواشنطن، قال إنه «أثرى الحضارة الإنسانية». هل قال أوباما عن الإسلام غير هاتين الجملتين؟
من الواضح أن سياسة أوباما ستختلف نسبياً عن سياسة سلفه. فليس من أغلق معتقل غوانتانامو كمن فتحه، ولا من يدعو إلى حماية الأقليات المسلمة في أوروبا وأميركا كمن يضيّق عليها. لكن الفرق بين الرئيسين ليس في نظرتهما إلى «العالم الإسلامي»، فهذا «العالم» لا وجود له ككيان سوى في خيال من يطربهم ذكر مآثرهم في قديم الزمان. ما يوجد في نظر الإدارة الأميركية، أمس، كاليوم سواء، هو مجموعة بلدان لها فيها مصالح حساسة. الفرق بين أوباما وبوش يكمن في طريقة حماية هذه المصالح: الأول يريد أن يحميها معترفاً بفضل الحلفاء «المسلمين» على أميركا، فيما عامل بوش هؤلاء الحلفاء كمحض أذناب، لأميركا عليهم كل الفضل.

* صحافي جزائري