صدرت أمس خمسة تقارير عن هيئات محلية ودولية لمراقبة الانتخابات في لبنان أجمعت على الإشادة بالعملية الانتخابية وبأداء وزارة الداخلية. لكنّ تفاوتاً كبيراً برز في جدّية هذه التقارير وحجم الجهد المبذول لإعدادها، بحيث يمكن وصف مضمون تقرير الجامعة العربية بأنه مجرد شهادة حسن سير وسلوك، وتقرير الـ«أن دي آي» بنشرة توجيهية تحيل إلى تقرير الـ«لادي» للاطلاع على التفاصيل
مهى زراقط
«وصل سعر الصوت الانتخابي في زغرتا إلى 3 آلاف دولار أميركي، فيما تراوح في صيدا بين 60 و100 دولار أميركي». ترد هذه المعلومة في التقرير الأوّلي لـ«الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية»، فتصبح مادة التعليقات التي يختتم بها المؤتمر الصحافي المشترك الذي دعت إليه الجمعية و«الجمعية اللبنانية لديموقراطية الانتخابات».
«من سيدفع في زغرتا؟ معقول نايلة معوّض؟»، تقول إحدى الحاضرات، فيما يستنكر آخر هذا الفارق الكبير في الأسعار بين صوت الصيداوي ومواطنه الزغرتاوي، فتأتي الإجابة: «هذه نِعم السنيورة، طالت ضرائبه حتى أسعار الأصوات الانتخابية».
التعليقات الساخرة لا تلغي جدية مناقشة هذه المخالفة الانتخابية التي وردت في تقارير ثلاثة أطراف راقبوا العملية الانتخابية (البعثة الأوروبية، الجمعية اللبنانية لديموقراطية الانتخابات والجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية)، وأشار إليها تقرير الـ«أن دي آي» محيلاً إلى «لادي»، فيما غاب عنها تقرير الجامعة العربية الذي أكد على لسان رئيس وفد المراقبين محمد الخمليشي «أن الانتخابات اللبنانية لعام 2009 قد جرت في جو ديموقراطي، يتميز بالنزاهة والشفافية، وأن نتائج الانتخابات التي أُعلن عنها، تمثّل الإرادة الحقيقية للشعب اللبناني».
أول التقارير كانت لـ«لادي» و«الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية» اللتين عقدتا مؤتمراً صحافياً مشتركاً صباحاً. فقد أشار تقرير «لادي» إلى 49 حالة رشى وشراء أصوات، وضعت في خانة الحوادث الطارئة التي رصدها فريق من المراقبين المتطوعين بلغ عددهم 2500، فيما رصدت الثانية عمليات شراء أصوات في المتن وزحلة والبترون وزغرتا والبقاع الغربي وعكار وصيدا، واعدة بـ«تقدير القيمة المالية التي صرفت خلال يوم الانتخابات لكل الأطراف السياسية، وسيقدم التقرير لهيئة الإشراف على الحملة الانتخابية».
أما رئيس البعثة الأوروبية خوسيه سالافرانكاً، الذي تلا أمس التقرير الأوّلي للبعثة خلال مؤتمر صحافي عقد ظهراً، فقد لفت إلى «الدور الكبير للموارد المادية في الحملة الانتخابية، ولم تكن الأحكام الجديدة المتعلقة بالإنفاق ولا مصادر هيئة الإشراف على الانتخابات كافية لتحديد مدى اعتماد الحملة على الأموال».
الشوائب التي طالت العملية الانتخابية لم تقتصر على الإنفاق الانتخابي. فقد مثّل الازدحام الذي شهدته أقلام الاقتراع «نقطة الضعف الأبرز في العملية الانتخابية»، كما جاء في تقرير «لادي» الذي اعتبر الازدحام ناتجاً من جملة من العوامل أبرزها: «كثافة إقبال المواطنين، عدم كفاية عدد أقلام الاقتراع لمواكبة النمو في أعداد المقترعين، استغراق العملية الانتخابية وقتاً أطول بسبب الإجراءات الجديدة، التفاوت في تكيّف رؤساء الأقلام ودرجة مرونتهم في التعامل مع الازدحام».
وأشار التقرير الأوروبي إلى المشكلة نفسها، لكن في معرض تهنئة سالافرانكا للبنانيين على «صبرهم ومثابرتهم رغم الصفوف الطويلة في العديد من مراكز الاقتراع»، من دون إي إشارة إلى أن هذا الازدحام يمثّل خللاً في إدارة الحملة الانتخابية التي حظيت بالتهنئة أيضاً لتميّزها بـ«الحياد والفعالية والشفافية ضمن إطار قانوني».
التهنئة نفسها وردت في تقرير «لادي»، لكنّ الجمعية لم تفوّت الإشارة إلى قرار الهيئة المشرفة على الحملة الانتخابية «وقف حملة التوعية التي أعدتها الجمعية بالتعاون مع التحالف اللبناني لمراقبة الانتخابات خلال فترة الصمت الإعلامي، رغم أنها خُصّصت لتوعية الناخبين»، كما انتقدت «عدم السماح لمراقبيها المعتمدين بالتصوير داخل أقلام الاقتراع من أجل توثيق المخالفات». وفي هذا الإطار، لفت الأمين العام للجمعية زياد عبد الصمد إلى تعرّض عدد من المراقبين للاعتدءات المعنوية والحجز في أقلام الاقتراع.
المشترك في التقريرين أيضاً يتعلق بعمليات الترويج الانتخابي، حيث لحظ التقرير الأوروبي «وجود مواد دعائية انتخابية في محيط أكثر من 40% من أقلام الاقتراع ونشاطات انتخابية في 18% منها»، فيما أشار تقرير «لادي» إلى أن «11% من أقلام الاقتراع وجدت داخلها دعاية انتخابية».
خلاف ذلك، أشار تقرير «لادي» إلى عدد من المخالفات منها: «3% من أقلام الاقتراع شهدت اقتراع أشخاص لم يدمغوا إصبعهم بالحبر، و21% منها علّقت فيها العملية الانتخابية، ولو لفترة قصيرة». أما خلال عملية الفرز، فقد منع المراقبون من ممارسة عملهم في 4% من الأقلام».
أما بعثة المفوضية الأوروبية، فقد لفتت إلى حركة لافتة للنساء اقتراعاً، وإدارة (33% من أعضاء أقلام الاقتراع كانوا من النساء، 8% منهن فقط شغلن موقع رئيس قلم الاقتراع، «لكنهن غير منخرطات في العملية السياسية».
تبقى الإصلاحات المطلوبة التي كان أبرزها المطالبة بهيئة مستقلة لإدارة الانتخابات واستخدام اللوائح المطبوعة سلفاً، مع الإشارة إلى ثغرات في المواد المتعلقة بالإنفاق الانتخابي والإعلام والإعلان الانتخابيين... المخالفات في هذا الإطار شملت مختلف وسائل الإعلام وإن بتفاوت.