راجانا حميةصحت الأشرفيّة متأخّرةً ساعاتٍ عن موعدها المعتاد. تأخّرت في نومها حتّى الثانية من بعد ظهر أمس، بعد سهرةٍ طويلة أعقبت فرز نتائج انتخابات دائرة بيروت الأولى واستمرت حتى الخامسة فجراً. فوضى ابتهاج جماهير ليل الأحد في المدينة انقلب، صباح أمس، هدوءاً أشبه بالسكون الذي يعقب عاصفة ما، إذ خلت الشوارع من العابرين ومفارق الطرقات من شرطة المرور، فيما اقتصرت الحركة على بعض سيّارات الأجرة.
صباح الأشرفية كان نفسه صباح مار متر والصيفي والرميل. وهي المناطق التي عاشت قبل هذا الصباح الصخب والفوضى بعد المعركة الانتخابية القاسية التي شهدتها.
بقي الهدوء مخيِّماً على تلك المنطقة، حتى انتصف النهار. عندها بدأت الحركة تدبّ شيئاً فشيئاً. كثُر العابرون في طرقاتها وأحيائها. استيقظ الموظّفون، ولو متأخّرين، لمعاودة نشاط توقّف قسراً.
في ساحة ساسين، يقف طوني عويس عند التقاطع أمام «بسطته» التي امتلأت بصور المرشّحين الفائزين في الدائرة الأولى لبيروت، وأعلام القواتيين والكتائبيين... وثلاث كراتٍ «أورانج» أبقاها العم على البسطة «لمجرد تنويع الألوان».
لم ينم عويس منذ ليل الانتخابات. لا يزال واقفاً عند التقاطع لبيع أغراضه قبل أن يوضّب البسطة مساءً. لا يكترث للنعاس الذي يظهر واضحاً في عينيه، إذ يكاد يطير فرحاً في هذا النهار «الغير شكل» كما يقول. فللمرّة الأولى، يفتح عينيه «على سما عنجدّ زرقا». ثم يستطرد قائلاً «وما رح تصير أورانج أبداً، لأن هذه الأرض هي لبشير وبيار وجبران». فيما كان عويس يسرد حكاية السماء الزرقاء، كان عناصر الجيش يعملون على فكّ أعلامه لإيقاف الآلية العسكرية إلى جانب الرصيف.
كما في ساسين كذلك في مار متر. صحو متأخّر بعد ليلة سهرٍ طويلة. لكن هنا، لم تكن الحركة كثيفة كما في ساسين «فالناس ما زالوا تعبانين لأنهم لم يناموا»، يقول شوقي قزعون. يختصر قزعون مزاج الناس بعد الفوز «الكل هنا فرح بعدما فشل البعض في تغيير لون السماء».
لا تختلف مشاعر الناس في الصيفي والرميل عن المناطق الباقية. الفرح هو نفسه، و«تشبيه السما الزرقا» نفسه. على مقربة من «بيت الكتائب» في الصيفي، لا تزال آثار الاحتفال موجودة في المكان. هناك، يجلس جورج غالب متفيّئاً ظلّ شجرة، منتظراً وصول الرفاق للاتّفاق على السهرة. ووسط انشغاله بهاتفه الذي لم يتوقّف عن الرنين، كان يدعو المارة لسهرته.
هكذا كانت حال دائرة بيروت الأولى أمس. منتشون. غارقون في العسل. وربما زادت النشوة بعد «قطوع» أمس، وربما أيضاً لضمانهم لون السماء لأربع سنوات مقبلة.