خضر سلامة«زحمة الأحد» الانتخابية على الصناديق، كانت الشغل الشاغل لوسائل إعلام الطوائف وتصريحاتها، «الديموقراطية في أجمل حلاها»، «الصيغة اللبنانية الفريدة»، «التجربة المميزة في العالم العربي»، وغيرها من العبارات الكلاسيكية التي تعدّ كل انتخابات لبنانية حدثاً استثنائياً، وحقاً في دائرة، وواجباً في دائرة أخرى، على المواطن.
نسبة المشاركة إذاً هذه المرة كانت الأعلى منذ زمن، راوحت بين حدّ أقصى هو 60 بالمئة، وحدّ أدنى هو 30 في المئة. لكن الصورة المباشرة التي كانت تنقل إلينا تدافع الناخبين على الوصول إلى الصندوق كانت تستثني شباباً، اختاروا هم أن يُستثنَوا من هذا النهار الماراتوني الطويل.
في شارع الحمرا، عشيّة يوم الانتخاب، كانت الحركة خفيفة على غير عادة. بضعة شباب في مقهى «ة مربوطة» فضّلوا احتساء كأس، على التوجّه إلى الأقضية المعنية بأصواتهم. «لشو وجع القلب؟» يقول سامر عودة، الشيوعي غير الملتزم حزبياً «الخيارات السياسية للطرفين لا تعنيني، وأرفض أن أشارك في انتخابات تضعني أمام خيارين، بينما التوجه الثالث مرفوض، وملغى ومعتم عليه سياسياً وإعلامياً، وحقوقي المواطنية مهضومة في الفك الطائفي للطرفين» يقول عودة، الذي يرفض حتى الاقتراع بالورقة البيضاء «بيضاء أو حمراء، هيدي ببلد تاني، أما هنا، فالأرقام لا معنى لها، والتعصب بلغ حد عدم الاكتراث إلا لمن يربح، لا لمن يعترض ولو عن حق».
أما كاترين خليفة، فاختارت صباح يوم الانتخاب «كزدورة» على المنارة مع «أصدقاء متمردين على خيارات العائلات» على حد تعبيرها. «الأشرفية عجقة، ولا يوجد أي ممثل لآمالي، ولست موافقة على القانون الانتخابي، ومؤيدة لمقاطعتها للتخفيف قدر الإمكان من الشرعية العددية والنسبية للنواب على اختلاف توجهاتهم» تقول الفتاة، وتضيف «أما أن أشارك لمصلحة الطبقة الموجودة نفسها عسكراً وسياسةً منذ الثمانينات إلى اليوم، ومن ثم، بعد أسبوع وأسبوعين، أعود إلى النقّ المزمن، سأدخل في حالة من النفاق، أفضّل الابتعاد والمقاطعة، والاستمرار في العمل الاجتماعي والمنظّماتي بعيداً عن سوق السياسة الذي لا يوجد فيه على الطرفين، ممثلون للشباب العلماني من جهة، أو ممثلات للفئة النسائية التي نطالب بها من جهة أخرى».
الضاحية الجنوبية لبيروت، مدينة أشباح، إلّا الشوارع المعنية بالانتخابات المحلية، كحارة حريك وبرج البراجنة. خارج هذا الإطار، كان الظرف والطقس مناسبَين لتوجّه كل عائلة إلى مركزها الاقتراعي جنوباً أو بقاعاً في الأغلب. أما أحمد، فقد وضع كرسيّاً على خط «صفير» الرئيسي، وجلس يراقب المواكب المحتفلة ذهاباً وإياباً. «شوب، ولا عازة (حاجة) لي في دائرتي الانتخابية، صوت بالزائد وصوت غائب». ولكن المشاركة تعدّ استفتاءً على خيارات أنت تدعمها؟ «استفتاء أو غيره، ع راسنا الخيارات والثوابت، ولكن مستوى التمثيل حقوقياً وخدماتياً لا يقنعني بتضييع يوم كامل على الطريق أو منتظراً في الصف، حالة يأس، أركيلة مثلاً بهالرواق؟».
مغتربون حضروا، وآخرون أُحضروا إلى الانتخابات وكانت لهم الكلمة الفصل في أكثر من دائرة. جاد رحّال، الطالب المغترب في الولايات المتحدة، التزم غربته، «لو كنت في لبنان لشاركت طبعاً، ولو بورقة بيضاء، وهي تعبير عن أني أنا، المقترع، غير موافق على الخيارين المتوافرين. أما المقاطعة، فقد تُفهم على أنها لا مبالاة أو مجرد غياب. الورقة البيضاء موقف سياسي مباشر، وأقوى»، يقول جاد لـ«الأخبار»، خاتماً إجابته بالقول «ثُر على مبدأ، ولا تسكت»، أما فرح عمار، طالبة في فرنسا، فلم تقبل عروض الاستقطاب المجاني نحو صناديق الطرفين، «مضيعة وقت، ولو كنت في لبنان لقاطعت أيضاً، قانون طائفي، أرقام طائفية، نسب طائفية، حملات طائفية، برامج شكلية وتعصّب من الطرفين وديموقراطية على شكل كذبة كذبناها وصدّقناها، أتابع النتائج على التلفزيون، وأعرف مسبّقاً أن أياً من النتيجتين لن ترضيني».
الانتخابات انتهت، والنتائج صدرت. نسبة المشاركة العالية لا يمكن أن تخفي نسبة مقاطعة عالية أيضاً، إلى جانب ورقة بيضاء شاركت في كل الدوائر، دليل على وجود مهمّشين في هذه الانتخابات، بعضهم يئس، والآخر ينتظر قانوناً، أو شكلاً سياسياً للدولة وطبقتها الحاكمة، أكثر احتراماً لناخبيها المفترضين، على أمل.