ليلة الزفاف في قاموس مجتمعنا العربي هي «ليلة العمر»، يُحكى عنها باعتبارها تحقيقاً لحلم تعيشه أي فتاة. تسبق هذه الليلة أو السهرة فترة تجهيزات، من المعروف أنها فترة متعبة بالنسبة إلى العروس، تهتم فيها بكل التفاصيل المتعلقة بمنزلها الجديد، مملكتها. يعتقد البعض أن تعب التجهيزات هو سبب القلق الذي تعانيه العروس، ولا يلتفت إلى أن الخوف الذي يسيطر عليها سببه أسئلة تخاف الفتاة
أن تبوح بها.

زينب زعيتر
كثيراً ما تسمع ناهد المحيطين بها يسألون «متى يحين موعد الزفاف؟». تشعر العروس بأنها في سباق مع الزمن، الخامس من تموز موعد يقترب، فيه ستكلّل علاقة استمرت عاماً، وتُزفّ إلى عريسها محمد (٢٨ عاماً). منذ شهرين ينهمك العروسان في تجهيز منزلهما وحفلة الزفاف، خطوبتهما جرت قبل عام، كان كل شيء خلالها على أحسن حال. قبل شهرين على الأقل من موعد الزفاف «تحولت السعادة إلى تعب ومعاناة للبحث عن المنزل واستكمال التجهيزات» تقول ناهد، التي صارت تعاني حالة مزاجية صعبة منذ حُدّد موعد الحفلة.
عملية البحث عن المنزل كانت صعبة، ثم كانت خطوة شراء الأثاث وأدوات المنزل. ناهد التي لم تبالِ يوماً لما كان موجوداً في بيت أهلها، بدت حريصة على كل تفصيل يخصّ منزلها هي. الكلمة الأولى والأخيرة في شراء جميع الأغراض والحاجيات المنزلية كانت للعروس طبعاً، وكانت تستشير خطيبها فقط لـ«رفع العتب». ليلة الزفاف لا تستمرّ إلّا ساعات قليلة، لكن التجهيزات لها تتطلّب جهداً لاختيار صالة الزفاف، والزينة والسيارات وقالب الحلوى والمصوّر والموسيقى والألعاب النارية وفرقة الزفّة،.
التعب في استعدادات الزفاف وتجهيزات المنزل سبب تغيّر حالة العروس المزاجية دائماً. فبعدما كانت الابنة والخطيبة الهادئة وغير العصبية التي لا تُغضب أحداً، تحوّلت إلى فتاة عصبية ومزاجية بامتياز، وكانت أتفه الأمور تجعلها في حالة توتر تنعكس سلباً في معاملتها مع أهلها ومع خطيبها. والمضحك المبكي في الأمر أنّها عندما كانت تشعر بالتعب، تبدأ باختلاق المشاكل مع خطيبها، كأنْ تطلب منه تغيير شيء ما في المنزل حتّى لو كان قد أعجبها في السابق، أو تأمره بالقيام بشيء تعلم أنّه لا يرغب في القيام به، تستمرّ نوبة الغضب والتوتر، ثم تهدأ ناهد، تتذكر أن فترة بقائها في منزل ذويها بدأت تتقلّص، وهي تعترف بأنها تخاف من الانفصال عنهم، تبكي أحياناً وتردّد «لحظة فراق منزل العائلة والطفولة قد اقتربت».
تقول الطبيبة النسائية والمعالجة النفسية سهى بيطار «يجب أن تكون العلاقة بين الخطيبين أثناء فترة التجهيزات قائمة على الشراكة في كل الأوضاع، لكن ذلك لا يلغي حقيقة أنّ الزوجة هي سيدة المنزل، ومنزلها مملكتها، وهي المسؤولة عن كل تفاصيله ومتطلباته». تؤكّد بيطار أنّه «أثناء التجهيزات للزفاف، لا يوجد شيء مطلق، إذ هناك أوجُه كثيرة للعلاقة تختلف من خطيبين إلى آخرين، وكل نموذج يتّبع طريقة مختلفة في التعامل، ويجدر التأكيد على أن التجهيزات للحياة الزوجية تختلف كل الاختلاف عن أي عمل تقوم بها العروس، فهي لم تكن قبلاً في موقع المسؤولية، وتعيش اليوم اختباراً هو في الحقيقة اختبار العمر، تشعر الفتاة بالمسؤوليات التي ستقابلها في المستقبل»، أي الحفاظ على المنزل الزوجي، وتأسيس عائلة سويّة مترابطة وناجحة.
تعدّد بيطار أسباب عصبية العروس المتقلبة ومزاجيتها قبل موعد الزفاف، وأثناء التجهيزات فتقول «السبب الأول هو الانتقال من سلطة إلى سلطة أخرى، بمعنى الانتقال من سلطة الوالد في المنزل الأُسريّ إلى سلطة الزوج في المنزل الزوجي، وهذا ما يحصل كثيراً في مجتمعاتنا الذكورية. أمّا السبب الثاني، فهو أنّ العروس تبقى حتى لحظة الزفاف، في حالة شك وحيرة، وتسأل نفسها دائماً إن كانت قد اختارت الزوج المناسب؟ وهل كان قرارها صحيحاً وصائباً؟ السبب الثالث يكمن في تخوّف الزوجة المستقبلية من نفسها، بمعنى غياب ثقتها بنفسها، وبأهليتها لتحمّل المسؤولية الجديدة التي ستُلقى على عاتقها، فهي ستدخل حياة اجتماعية جديدة، وستكون في دائرة علاقات اجتماعية، ربما لم تتعرف إليها سابقاً. السبب الأخير هو التخوّف من ليلة العرس، بعد الانتقال مع زوجها إلى منزلهما، فمعظم الفتيات يكُنّ قد كوّنّ صورة عن هذه الليلة، ويخَفن كثيراً مما سيحصل عندما يختلي الزوج بزوجته».
عن الحل تقول بيطار «يجب أن تخصّص العروس الجديدة وقتاً لنفسها، أي أن تجلس قليلاً، وتضع أمامها كل نقاط ضعفها، والأمور التي تزعجها، وكل ما حصل معها أثناء فترة الخطوبة، وتحاول جاهدة التخلّص منها بإيجاد طريقة خاصة بها، وتبعد الوهم الذي يسيطر عليها، أي وهم الانتقال إلى الحياة الجديدة التي تكون خائفة منها». وتنصح بيطار العروس «بأن تتحدث مع والدتها عن كل الأمور التي تزعجها، فتجد بالتالي من يستمع إليها، وتكون خبرة والدتها في الحياة كفيلة بأنّ تهدّئ من مزاجيتها».


المساكنة أولاً

ناهد نموذج عن الفتيات العربيات على أبواب الزواج، لكن ريما س، هي صورة عمّن يُعتبرن استثناءً. عاشت ريما مع حبيبها في منزل واحد سنة، انقطعت خلالها عن أهلها، وهي تقرّ بأنها قامت بخطوة جريئة، وبأنه يصعب على الفتاة اللبنانية أن تواجه أسئلة الجيران والأصدقاء في هذه الحالة. كانت تجربة المساكنة هذه غنية جداً بالنسبة إلى الفتاة العشرينية، شعر بعدها الحبيبان بأن انفصالهما بعضهما عن بعض أمر غير وارد، وذلك رغم الخلافات الصغيرة التي وقعت بينهما.بعد عام من المساكنة اتخذت ريما قرارها بالزواج بحبيبها رامي، وهي تروي لصديقاتها أنها لم تشعر أبداً بأي خوف أو تردّد بسبب هذا القرار. بعد الزواج تطوّرت علاقة ريما ورامي، الخلافات بينهما قليلة، وهي تروي أنها تشعر بأن الزواج أسهم في تدعيم
علاقة الحب التي تربطهما