يتعامل جمهور المعارضة مع نتيجة الانتخابات على أنها «مفاجأة». هو الذي عاش نشوة الفوز قبل الاقتراع. فوز عززته خطابات زعمائه، كما استطلاعات الرأي التي حظيت في هذه المعركة بدور لافت تجاوز العمل التقني إلى التدخل في تأليف لوائح. لكن على الرغم من النتائج، يرفض مستطلعو الرأي التشكيك في تقنية عملهم، مطالبين السياسيين بإجراء نقد ذاتي يكشف سبب اتساع «هامش الخطأ»
مهى زراقط
«اتصلوا بي في 8 حزيران وعندها نتحاسب». جملة كانت تتكرّر على لسان كلّ من مدير «مكتب الإحصاء والتوثيق» كمال فغالي والمدير العام لشركة «ستاتيكس ليبانون» ربيع الهبر في كلّ إطلالة تلفزيونية لهما. فهما كانا الأكثر حضوراً إعلامياً، وغالباً ما ظهرا في إطلالات مشتركة لم يكن المشاهد يستطيع خلالها ملاحظة فروق كبيرة في استطلاعاتهما، إما بسبب تحفظ الهبر على الحديث عن دوائر معينة (المتن تحديداً)، وإما بسبب قول فغالي إنه لم يجر دراسات لدوائر أخرى (صيدا مثلاً). الخلاف الرئيسي بينهما كان يتعلق بزحلة، أمّ المعارك. فغالي كان يتوقع فوز 4 نواب للمعارضة، فيما رجّح الهبر فوز 14 آذار وأعطى أرجحية لهذا الفريق في البقاع الغربي والكورة. رغم ذلك، في الإطلالة الأخيرة لهما قبل الانتخابات على شاشة «الجديد»، قال الهبر إن النتيجة النهائية ستأتي متساوية بين الفريقين: 64 مقابل 64. أما فغالي فتحدّث عن فوز للمعارضة يجعلها تحصد 68 نائباً في حدّ أدنى.
الآن، بعد صدور النتيجة، بات يمكن القول إن نتائج الاستطلاعات لم تصدق لدى الطرفين، تماماً كما لم تصدق توقعات المنجّمين والبصّارين، وأولئك «المكشوف عنهم الحجاب». لم تدخل المعارضة المجلس النيابي من بابه العريض، كما «رأى» أحدهم، ولم تسل دماء في صيدا كما «ظهر» لأخرى. لكن إذا كان فشل البصّارين في توقعاتهم مرجحاً، فإن خطأ استطلاعات الرأي غير مغفور من اللبنانيين، ولا سيما مع الثقة العمياء التي يوليها الجميع، موالاة ومعارضة، لهذه التقنية العلمية التي باتت تحتاج فعلاً إلى نقد علمي لآلياتها المتبعة، وخصوصاً أن مستطلعي الرأي تحوّلوا إلى مقرّرين في تأليف اللوائح، بحيث يقول الهبر بثقة إنه غيّر إحدى اللوائح في اليوم الأخير قبل تأليفها، واقترح ضمّ مرشح إلى لائحة أخرى بعد استطلاعات أجراها لحيثيته الشعبية، وما تردد عن دور فغالي في تأليف لائحة جبيل.
أخطأت استطلاعات الرأي، ويجب محاسبة القيّمين عليها. هذا ما نعتقده نحن، لكنه ليس ما يقوله كلّ من الهبر وفغالي. يعيد الأوّل التذكير بنتائج استطلاعات الرأي التي أجراها، وأكثر من ذلك يطلب منا تذكر ما قاله في جلسة ضيقة بعيدة عن الإعلام دعت إليها «نحو المواطنة». نذكّره بما قاله وما كنا دونّاه آنذاك: معركة زحلة محسومة لمصلحة 14 آذار، وكذلك البترون. أما في بيروت الأولى، فقد احتمل حصول خرق لمسعود الأشقر، متحفظاً على ذكر نتائج الكورة والبقاع الغربي (رجّح في مقابلات لاحقة فوز 14 آذار)، حاسماً معركة المتن لمصلحة 8 آذار (لم يكن يذكر نتائج الأخيرة في المقابلات التي أجريت معه).
«أين أخطأت التقدير، إذاً؟» يسألنا الهبر، فنجيبه بأنه قال أيضاً إن المعارضة ستحصل على الأكثرية، ما أثار غضب سيدة من المتن كانت حاضرة واتهمته بأنه عوني. يضحك، ويقول إنه لو أحصينا النتائج كما توقعها «لكان من السهل معرفة أن الأكثرية ستحتفظ بموقعها، وهذا ما فعله أحد الشبان على منتدى إلكتروني لتيار المستقبل، فقد جمع كل النتائج التي قلتها في إطلالات متفرقة وخلص إلى أن 14 آذار كانت ستربح... فيكي تقولي كشفني».
«لماذا لم تعلن هذا إذاً؟ ولماذا أعلنت المناصفة بين الفريقين؟». يجيب بداية: «كنت أتوقع خروقاً في البقاع الغربي وطرابلس»، لكنه يضيف: «لا يمكنني أن أقول النتائج لكي لا تفتر حماسة ناخبي 14 آذار». يعترف الهبر إذاً بأنه مارس نوعاً من الدعاية الإعلامية لفريق 14 آذار الذي كان يعمل لمصلحته «حكيت حقيقة وتحفظت عن أخرى. مثلاً، أنا لم أتحدث يوماً عن نتائج المتن، علماً بأني كنت أبلغت قيادات 14 آذار بصعوبة الفوز، وحده الشيخ أمين الجميّل صدّقني». بناءً على ما يقوله الهبر يمكن إعادة التسليم بصحة استطلاعات الرأي في كونها تقنية علمية، لكن في هذه الحالة، لماذا أخطأ الآخرون؟ يرفض الهبر الحديث عن زملائه، لكنه يرفض أيضاً الحجة التي يسوّقونها عن فارق كبير أحدثه المغتربون «الطرفان استقدما مغتربين، الموالاة استقدمت 65 ألفاً والمعارضة كذلك».
يرفض كمال فغالي هذه الأرقام، فبناءً على ما يعرفه: «استقدمت المعارضة 28 ألفاً فقط، وهناك نحو 5 آلاف قدموا على حسابهم الخاص فيما استقدمت الموالاة نحو 90 ألفاً». (يقدّم هذا الرقم بناءً على ما أُعلن رسمياً عن وصول 170 ألف مغترب إلى لبنان بارتفاع نسبته 75% عن عدد الوافدين إلى لبنان العام الماضي). وهنا يعترف: «قد أكون أخطأت عندما قلت إني لا أتوقع وصول أكثر من 60 ألفاً من الطرفين»، كاشفاً أنه عندما اتصل بالمطار، «وهذا ليس عملي، بل يفترض أنه عمل أحزاب المعارضة»، علم بوصول 45 ألفاً «وبما أني كنت أعرف أن المعارضة استقدمت نحو 28 ألفاً بقيت مطمئناً إلى النتيجة. لكن المفاجأة كانت في الأيام الأخيرة، حيث استقدم هذا العدد الكبير الذي قلب النتيجة في الكورة وزحلة والبقاع الغربي».
تبرّر هذه الأرقام هامش الخطأ الذي يخضع له أي استطلاع للرأي، لكن فغالي يضيف إليه أيضاً اختيار عينات صغيرة في بعض المناطق «لم تكن تمثيلية، لأن القرى التي كنا نزورها كانت خالية من سكانها»، مؤكداً أنه وضع القادة السياسيين الذين عمل لمصلحتهم في هذه الأجواء «ولم يتصل أي منهم بي معاتباً لأني كنت صريحاً معهم وأخبرتهم عن المفاجآت التي قد تقلب النتائج. أنا قلت لإيلي سكاف مثلاً إن النتيجة قد تتغير في حال ارتفاع التصويت السني بنسبة معينة، لكننا استبعدنا هذا الاحتمال ورأيناه صعب التحقيق»، محمّلاً المسؤولية للتحريض الطائفي الذي مورس ولم تحسن المعارضة التعامل معه بفاعلية.