تحت شعار «خلي عينك عليا»، انتدبت الجمعية اللبنانية من أجل ديموقراطية الانتخابات 2500 شاب وشابة لمراقبة الانتخابات. بعضهم خرج من التجربة راضياً، آخرون أعلنوا بعض التحفظات عليها
رنا حايك
توزع 2500 شاب وشابة على 26 دائرة انتخابية. خاضوا دورات تدريبية عرّفتهم بقانون المراقبة، حصلوا على تصاريح من وزارة الداخلية لدخول أقلام الاقتراع، عملوا نهار الأحد لمدة تجاوزت 18 ساعة لقاء أجور رمزية، وما زالوا يعملون، حتى نهاية حزيران، على إعداد تقاريرهم.
ما كان سر إقبالهم بكثافة على ذلك العمل التطوعي المضني ولقاء أجر مادي رمزي؟ هل كان دورهم ذا فعالية؟ ما كان تقييمهم للتجربة؟ هل يشعرون بجدوى ما قاموا به؟ هنا، تفاوتت آراؤهم.
سلام، التي آثرت استخدام اسم مستعار، تحتفظ بانطباع سيّئ عن مشاركتها كمراقبة في إحدى دوائر جبل لبنان. تشكو من تجاوز زملائها في الفريق لمهنيتهم وانجرارهم وراء انتمائهم الحزبي لدرجة تعريضها للخطر. تقول: «شككت في أن انتماءهم كان يدفعهم إلى التغاضي عن تجاوزات فريقهم، لكنني سرعان ما تأكدت من ذلك حين دخلت محلاً للألبسة لطالما كان مهجوراً، يقع ضمن مسافة الـ50 متراً التي تحظر الدعاية الانتخابية ضمنها، فوجدته مفتوحاً، وفيه موظفون. سألتهم عما يفعلون فأجابوا بأنهم يوضّبون المكان. كان التوقيت غريباً! ما إن تفوّهت بذلك مسائلة حتى ركض أحدهم في اتجاه مكتب المختار، لحقت به، ودخلت وراءه فارتبك المختار وأخفى أوراقاً بسرعة عن مكتبه، لمحت لأموال واتهمته بالرشوة وبالعمل لمصلحة إحدى الجهات السياسية، خلافاً للقانون، فدفعني نحو الخارج بالقوة صارخاً: ما خصّك! قبل أن يقفل مكتبه تفادياً للفضيحة». لم ينته الأمر عند هذا الحد، فقد لحق بسلام طوال اليوم مندوبان من الماكينة الانتخابية لتلك الجهة، بهدف التوصل إلى معرفة اسمها، وخصوصاً بعدما قلبت بطاقتها التي يظهر الاسم عليها. فنجحت في إخفائه، إلى حين... أفشاه لهما زميلاها في الفريق. «أنكرا ذلك، لكنني متأكدة إذ إن والديّ تلقيا اتصالاً من شخص عرّف بنفسه وبالمرشح الذي يعمل في ماكينته الانتخابية، وسألهما إن كان ذلك منزلي فعلاً وإن كانا والديّ، من دون أن يلقي أي تهديد بحقي». لم تتلق سلام أيّ تهديد لكنها تتأهب بانتظار تلقيه خلال الأيام المقبلة.
تأسف سلام للانطباع السيّئ الذي خرجت به من التجربة، فقد كلّفها ذلك الموقف بينها وبين زملائها تخليهم عنها وإلحاقها بفريق آخر ملّت المراقبة الثابتة فيه من الانتظار حتى ساعات الفرز، فتقاضت بدل المندوب الثابت (115$) وغادرت إلى منزلها، فيما جلست هي مكانها، لتعمل بأجر مراقب جوال (نحو 20$) لمدة 18 ساعة.
وتأسف لعدم موضوعيتهم التي نغّصت عليها سعادتها بالدور الذي أتاحت لها الجمعية فرصة تأديته، والذي أدته بكل حرفية بدورها: «هربت من خالتي حين لمحتها في أحد الأقلام ولم أحيّها كي لا تحرجني بأي سؤال لا تسمح مهنيتي بالإجابة عنه».
كان ذلك التخوّف من طغيان الانتماء السياسي الشخصي على حيادية المراقب، هاجس منسّق عاليه في الجمعية، سامر فيصل، الذي شدّد أمام المتطوعين الذين تولى تدريبهم على ضرورة اتباع المعايير المهنية خلال المراقبة، رغم اعترافه بصعوبة الفصل بين الدورين. بالإضافة إلى ذلك، «أقارن بين تقارير المخالفات التي يسلمها المراقبون، وأدقق فيها للتأكد من صحتها» كما يروي، مضيفاً أن «معظم الشباب قد تحمسوا أصلاً للعمل في المراقبة لأن ذلك يتيح لهم المشاركة على الأرض من دون أن يكونوا يعملون لمصلحة إحدى الماكينات. إلا أن بعض المشاكل التي ظهرت كان سببها المغالطة المحيطة بمفهوم المراقبة. فالمراقبون هم مراقبون صامتون، يوثقون المخالفات في تقاريرهم ولا يعمدون بالضرورة إلى حلها فوراً».
هذه النقطة، توضحها منسّقة الاستقطاب في الجمعية، رشا النجدي: «المراقب يوثق المخالفة، لكنه، بحسب تعميم وزارة الداخلية، يستطيع لفت نظر رئيس القلم إليها بلباقة». أما التدخل المباشر، فقد كان أصعب خارج القلم، وخصوصاً في حدود الخمسين متراً المنصوص عليها في القانون، ففي هذه الحالة، كان المراقب «يبلّغ غرفة الطوارئ في وزارة الداخلية التي من شأنها أن تتحرك بنفسها من خلال القوى الأمنية الموجودة في المكان. فالتعامل المباشر بين المراقبين والقوى الأمنية أو حتى المندوبين كان صعباً نتيجة غياب مفهوم وسلطة المجتمع المدني». رغم ذلك، تشيد النجدي بالطفرة التي لحظتها نتيجة عملها في دورات انتخابية سابقة «فقد كان التنسيق مع الداخلية ممتازاً وكان تعاونهم معنا على مستوى عال من الجودة»، كما تقول، لتشير إلى أن الثغر لا تلحظ إلا من خلال المراقبة ووجودها طبيعي لأنه يتيح لنا البناء عليها لتطوير الإصلاحات القانونية. منها مثلاً تحديد ما يمثّل إعلاناً انتخابياً، فهل كانت إعلاناً علبُ الطعام التي أرسلت لمندوبي الماكينات داخل الأقلام وعليها شعارات الحملات؟».
سوف تناقش هذه الثغر خلال الاجتماع التقييمي للجمعية الذي سيعقد قريباً. ورغم المواقف الخطيرة التي استتبعتها بالنسبة إلى بعض المراقبين، إلا أن المراقبة كانت خطوة إلى الأمام في تعزيز دور المجتمع المدني. وقد أتاحت للكثيرين من الشباب الذين لم يبلغوا السن القانونية للاقتراع، أو أولئك الذين يعارضون القانون الانتخابي أو لا يوافقون على أيّ من المرشحين، أن يشاركوا، بحيادية، في الانتخابات.


كيف نراقب وممنوع نقترع؟

يعترف موسى الزين، منسّق فريق بنت جبيل، بأن القيمة المضافة للمراقبة كانت «إنو حسينا حالنا مهمين». فقد حاز الشباب فجأة ترحيباً حاراً من رؤساء بلديات مناطقهم، وعلى فعالياتها الذين لم يكونوا يلحظون وجودهم من قبل. يثني الزين على تنظيم الجمعية، وعلى التجربة برمّتها لافتاً إلى مفارقة يستغربها «فكيف يمنعون عنا الحق بالإدلاء بأصواتنا قبل بلوغ سن الـ21 بينما يجدوننا مؤهلين لمراقبة انتخاباتهم؟».