كرمى سلامةيهزّ الرجل الستيني المهموم برأسه محاولاً تغيير الحديث كلما سُئل عن بناته. فهو لا يكذب، ولا يخفي أن الكبرى منهنّ تخطّت سنّ الثلاثين الأسبوع الماضي، والثانية تكمل الـ29 الصيف المقبل، فيما أتمّت الصغرى الـ27 في أوائل شباط. لكنه يعترف بأعمارهن وكأن تلك السنوات سُرقت من عمره. زميلته في العمل تعرف أن البنات الثلاث متفوّقات في دراستهنّ، وناجحات في وظائفهنّ. فالأولى نالت شهادة دكتوراه في العلوم الاجتماعية بامتياز وتدرّس في الجامعة، والثانية مديرة قسم في أحد المصارف، والثالثة فنانة تشكيلية نالت جوائز عدّة. تعرف الزميلة أيضاً أنه أب منفتح، لا يقيّد «عصفوراته» في قفص، ولا يرفض لهنّ طلباً. كما هي متأكدة أنهن مستقلاّت مادياً عن أهلهن منذ كن في الجامعة. لكن الزميلة الغيورة على مصلحة زميلها، تتسلى بأخبارهن في أوقات فراغها. «شو، بعدن حلوين؟ ما إجا بعد النصيب؟ معقول ما حدا عم يحكي فيهن؟ شو ما في شي هيك هيك؟». يرفع الأب حاجبيه نفياً. فتدير الزميلة رأسها يساراً ثم يميناً مستنكرة وهي تقول «لا حول ولا قوة إلا بالله. طوّل بالك إلا ما ربنا يرفرجا عليك. الله بيجبر». تصمت لحظات، ثم تعود للحديث مجدّداً «بتعرف الحق عليك ما كان لازم تعطيهن حريتهن. الحرية بتنزع البنت». يفكّر الرجل بصمت، فيوافقها الرأي. «لازم تضغط عليهن كبروا ورح يبطلو يجيبو ولاد، وما تنسى إنن وحيدين ما في رجال يحميهن إذا صرلك شي لا سمح الله».
تبدي الزميلة نصائحها، ولا يزال أبو البنات صامتاً. وتكمل الموظفة الأنيقة، الحائزة على شهادة جامعية، والتي تتقن التحدث بأربع لغات، فتقول بثقة عمياء: «والله المرا بتضل مرا ما إلها إلا بيتها وزوجها وولادها، مهما تعلّمت وراحت وإجت. بالنهاية الزواج سترة». يطفح كيل الرجل الذي كان طوال السنوات السابقة يتباهى ببناته، فيسرّ لزميلته: «ضيعان ما دفعت عليهن مصاري وعلمتن، كلو راح بالهوا. كان نفسي شوف شي وحدي عروس أو أم».
إحدى المتدربات الجدد التي ستحلّ مكان الأب «المهموم» عند تقاعده لا يروق لها الحديث، فتشرئب مقاطعة «لماذا تتحدث عن بناتك بهذا الشكل؟ ألا تفتخر بالنجاح الذي وصلن إليه؟ لماذا يجب على الناس أن يتزوجوا حتى تكتمل إنسانيتهم؟ فليكن لكل فرد منا في المجتمع دوره: امرأة تنجب، وأخرى تعمل وتنتج، أو الاثنتان معاً... لماذا علينا كلنا أن نكوّن فريق كرة قدم يلبس القميص نفسه؟».
حاولت السيدة محاورتها، فنهرتها قائلة «لا يحق لك تقييم المرأة على أساس زواجها فقط. وماذا تفعلين بسنوات الجهد الآخر، كلها لا تساوي عندك قيمة. وماذا نفعل إذا لم نجد الشريك المناسب؟ هل ندخل مرحلة يأس وانتظار مدى الحياة؟ ولنفترض أنه لم يأتِ أبداً، إذاً نصل إلى الانتحار أو الفشل؟ ولماذا تلصق تهمة الفشل بكل فتاة لم تتزوج؟ فقد يكون لها علاقة عاطفية تكفيها، أو شريك يحلو لها تغييره من وقت لآخر. ثم من قال إن الزواج مؤسسة ناجحة أو مربحة أو تؤمن الطمأنينة والاستقرار؟ عذراً سيدتي، لا تُقاس النساء بالزواج فقط، فداخل كل امرأة منا عالم من العطاءات، الزواج والأمومة ليسا سوى جزء منه».