على الكوع، هناك بين مستديرة شاتيلا ومستديرة الطيونة، عند نقطة بداية أوتوستراد هادي نصر الله، عند الطريق التي تجاور حرج بيروت، يمكنك أن تتعرف إلى «أبو عساف». إنه المقهى الأشهر في ذهن عارفي المنطقة، وإن كان بعضهم فقط يزوره، لكن الاسم يتردد كثيراً على الألسنة، حتى بات المقهى معلماً يُستدل به إلى الأحياء المجاورة له. لا تتعب نفسك بالتفسيرات، لا تجهد ذاكرتك في البحث عن أمكنة مشهورة لترشد محدّثيك إلى جوار المقهى، فالأخير تحوّل إلى معلم مشهور.شهرة «أبو عساف» تجعلك تتخيّله بصور مختلفة؛ مقهى فخم بديكور أنيق، أو نادٍ «عصري» حيث يمكن التواصل عبر شبكة الإنترنت، قد يذهب بك الخيال وأنت تحاول أن تتصوّر الأطباق التي يتميز بها.
مرة أخرى لا تجهد نفسك، أبو عساف يمتاز ببساطته، بل بسبب «غرقه» في البساطة.
المقهى هو في الحقيقة أشبه بكشك، كشك كبير، لونه أحمر. اللون هو ما يشد نظرك بداية، فاقع جداً، شديد الشبه بالألوان التي يحبها الأولاد، ثم تلفتك ضحكات الرواد، فتنظر إلى الوجوه المتعبة. عمال وسائقون وشبان ورجال في الأربعين، يتحلّقون حول طاولات بلاستيكية صغيرة، بعضها لونه أحمر، يحتسون الشاي أو القهوة أو المرطبات، ويتحدثون عن شؤون الحياة، همومها بالأحرى. البعض يسمّي المكان مقهى الفقراء. لا يحتاج المرء إلى وقت طويل ليدرك أنه من الأمكنة القليلة في بيروت وضواحيها التي تتسع لأبناء الطبقات الفقيرة، وأحاديث هؤلاء متنوعة وغنية، لا لون محدداً لها. من هموم الأولاد إلى فرحة رؤيتهم يكبرون، من الكفر بالسلطة والأسعار التي ترتفع في غياب أي رقيب حقيقي إلى الكلام عن القرية والطبق «الطيب» من يد الأم أو الزوجة، من الانتخابات والسياسيين السيّئين إلى الأحاديث عن المواقف المضحكة والمسلية التي يصادفها المرء في تنقلاته. مساءً، يطغى الطابع الشبابي على المقهى. قد تمر بقربه فتلمح الرواد وهم بمعظمهم مأخوذون بشيء ما. إنهم على الأرجح يلعبون الورق، ولكل لعبة قوانينها، لكنها بمجملها تجعل اللاعب ينسى العالم من حوله ليركز نظره ومعظم حواسه في الأوراق الكرتونية الصغيرة، الحمراء أو السوداء. إن أردت أن تجول بين شاتيلا والطيونة، توقف قليلاً وتعرّف إلى «أبو عساف».