أحمد محسنI
تسألني عن مفرداتي. تحمل كرة أرضية في يدها الصغيرة، وتمشي. تمارس الخجل، رفيعاً، كالمسافة بين الماء والوجه. تضحك. تُقحم طفولتها في الفراغ، إذا غادر جسدي الطرق المخيفة ليلاً. تخاف. لا تعلم أن ملابسي تتمتم عطرها. لا تعلم أن ظل رأسي يحفظ حجم رأسها، وأن ساعديها يعلقان في ساعدي، حين أقلق. لا تهدأ، فأدسُ يدي في شعرها البئر. أغمّس أصابعي فيه، لأشهد هرطقة الملائكة. أمسح عنه الألم، لتنام.
II
على هيئة غابة، تهاجم مساءاتي. تحرق النهر أولاً، وتستريح. تأتي بالنهر إلى الجدار. تهز اللحظات، بنظرات ضاربة في المساحات المتاحة. تنسى شفقاً في قولها، وتلاعب أيلول في حدائق الوقت الباقي. تحدثني عن أطفال أحلامنا. سنشتري بيتاً هنا. سنحول الصخور إلى أزهار. سنبقى بعضنا مع بعض، تقول. تشبه آنا أخماتوفا في التمرد البطيء، ويثِب طيفها يومياً من الصمت إلى ذاكرتي. من تنورتها البنفسجية إلى أطراف رموشي الباردة. تنورتها طويلة، ورموشي قصيرة، ترتل لها كي تهدأ. تحتال على فمها، لتضحك.
III
صادفنا بحراً أمس. لم يحصل على نجمته بعد. استعرناها. تبللنا بضوئها. همسْت وقتها: أحب السماء المتزايدة. كأن الغيوم شظايا صراخنا الخافت. حاولت أن تخجل، فمنعتها. حاولت أن تدير ظهرها، كالتلامذة الذين لم يحصلوا على علامات مرتفعة. توردت وجنتاها. تذكرت نفسي حين أبحث عنها في رسائل الهاتف القصيرة. في الشمس الناضجة. في النفق، حيث كنا مضيئين، وتمنيت ألا ينتهي. خرج الأسوَد من داخلي. نزعَته برفق شهر كامل بعد الشتاء. يوزع الغسق الأدوار علينا. نسكت، لأن الهواء لنا. نشير إلى الشمس التي تلسعنا في الغياب. صارت قريبة الآن. اطمأننت. سلمت بمشيئة الوقت: الوعي حالةُ عصية على اليدين.
IV
ليس للنافذة أذنان، فلا تسمعني. كم تعبث بي الأغنيات التي لا تصل إلى انتظارها. تئن وسادتي، وتمتلئ بالأحجار. أخاطبها، لأولد على ضفاف الدانوب: مساء الخير أيتها المجنونة التي تشبعني حباً. كنت متعباً كالمدن. وجدت كياناً أخيراً، غير الدب الذي أنا عليه. هذا السوار الصغير، الذي وضعَته في يدي، يشق لي درباً إلى الخوابي. يعتّق لهفتي إليها. تلومني كوني سريع الغضب. أغار، حتى من الموسيقى، لأنها تصنع الابتسام على شفتيها.
V
لا توصدي أبواب الجنة. إذا رقصتِ، نلت حصتي من فرح الرياح.
VI
أثناء انتظارها، بدوت أمام نفسي كالخديعة. ما من أحد يبادلني الاقتراب. الشمس تقلي عينيّ، والطاولة تطرد أصابعي. خاوياً من الغناء، من الفرح، أرى ألمي بأم عيني. تعطلت حاسة اللمس بسبب الغياب. أحاول التأكد من موتي. ألاعب يدي: لقيطة تناسل القهوة والتوتر. أقضم الجدار بنهم. يتصاعد الضجيج إلى رأسي بلا رحمة. هذا الوجع الطفيلي، يأكل شرايين المكان. يلتهم فصلاً كاملاً من الضحك. تنهشني العاطفة، أنا المريض بالكراهية. تعلمني الحب. تعلمني أن أبكي بلا أصفاد. تعود دائماً بأجساد كثيرة، كأنها طاحونة القلب.