ليال حدادفي الحادية عشرة من عمري رميت ابن الجيران بحجر على عينه لأنّه تجرّأ وقال إنّه يحبّ نسيب لحود. ردّدت طويلاً في مراهقتي عبارة «ميشال المرّ من بعد الله منعبدو». كنت أصرّ على مرافقة أهلي إلى بسكنتا في الانتخابات، كي أمرّ ببتغرين وأرى «دولتو» محمولاً على الأكتاف، فأصفّق له، حتّى إنني أجبرت والدي مرة على إيقاف السيارة كي ألتقط صورة للرجل ـــــ الأسطورة.
مرّ الزمن وتحوّلت من «المرّية» إلى «العونية»، لكنني بقيت أحبّ الرجل، «فلحم كتافنا من خيرو». في 7 آب 2001 كنت مقتنعة بأنّ العنف الذي تعرّض له العونيون سببه سوريا واستخباراتها، صممت أذنيّ عن كل من اتّهم أبو الياس بالتورّط. وفي 2005، أكد لي تحالف عون/ المرّ نزاهة الرجل.
من العونية قفزت خارج الإصطفافات السياسية اللبنانية. أربع سنوات مرّت وأنا أقوم بنقد ذاتي (بل هو جلد ذاتي) لتجربتي السابقة. أحاول فهم سرّ هذا الرجل. يبتسم، فيبتسم كلّ من حوله. يعبس فيعبس كلّ من حوله. جاء 7 حزيران، فاتضّحت الصورة. صعدت إلى قريتي. مررت ببتغرين ورأيت أبو الياس محمولاً على الأكتاف وحوله مجموعة من المنتشين بزعامته... رأيت طفلة صغيرة تخرج رأسها من نافذة سيارة مدهوشة بعظمته. اكتشفت فجأة أن ميشال المرّ قدر المتنيين. لا علاقة لـ14 و8، لا علاقة لسلاح حزب الله أو حب الحياة. هؤلاء هم أهالي المتن، لم يعرفوا يوماً الحرمان. لم يهمّشوا، لم يذوقوا طعم التهجير، أو الاحتلال... لم يفهموا بعد أنّ بناء الدولة يحتاج إلى أكثر من زيارة عمارة شلهوب.