هدى العليمن أحد أزقة مخيم شاتيلا، وفي بيت من بيوت المخيم المتهالكة التي تعيش الآلام والخوف من مستقبل مجهول، تعيش عائلة من 9 أشخاص، يصبح تعدادها عشرة إذا حسبنا أن الهم فرد من أفرادها.
الأب راغب، رب الأسرة، قرر فجأة أن يهجرهم ويسافر إلى المغرب ليتزوج هناك ويؤسس أسرة أخرى، ولكن بعيداً عن مخيم شاتيلا الذي نقص فرداً. الأم صباح: ومع أنها في الخامسة والثلاثين من العمر، إلا أنها تبدو منهكة ككهلة، وفي وجهها لا يزال يظهر جمالٌ يحدث عن ماضي ندمت عليه ومستقبل تخاف منه. أولاد صباح ثلاثة: زينة أكبرهم، ثم منى (سبع سنوات(، وليلى أصغرهم وعمرها ست سنوات. أين بقية التسعة؟ اسمعوا: الأم الثانية أو كما نقول بلغتنا «الضرة»، اسمها فيروز. وهي بعكس فيروز في كل شيء، لماذا سميت كذلك؟ هذا علمه عند الله، وربما لأن أمها أرادت أن تتفاءل باسمها خيراً.
الضرة تبلغ الثلاثين من عمرها، وهذه هي ميزتها الوحيدة على ضرتها صباح، ففي كل الأمور الأخرى هما متساويتان. ولفيروز عدد الأولاد نفسه ومن الجنس نفسه: ثلاث فتيات. الكبيرة، شمس وعمرها إحدى عشرة سنة وأسمهان (عشرة أعوام) وسامية (ست
سنوات).
مدخول العائلة الوحيد تؤمنه كل من الوالدتين صباح وفيروز، اللتين تعملان بائعتين جوالتين تبيعان الأدوات المنزلية البلاستيكية لمنازل المخيم، بعد أن تشتريا البضائع بواسطة «رأسمال» صغير يؤمنه ويمده بالتمويل اللازم على مدار السنة... تسول أولاد الضرتين. هؤلاء، يتخذون من الشوارع مواقع لنشاطهم، هكذا تجدهم يستجدون المارة تارة، وتارة يتمركزون يوم الجمعة أمام الجوامع، حيث يحس الناس برغبة إعطائهم الصدقة. ولا يبقى في المنزل سوى بنتين، واحدة من كل أم، حتى تتحقق المساواة في ما بينهما، وذلك للقيام بأمور الترتيب والنظافة في البيت. هذه الأعمال سرعان ما تصبح كأنها لم تكن وذلك لسبب بسيط هو أن انعدام البيئة النظيفة أساساً في المخيم كله، يجعل من عملية التنظيف شيئاً لا يدوم إلا لساعات.
وقد تتساءلون بعد أن تجمعوا الأعداد أعلاه: ولكن من هو الرقم تسعة في هذه العائلة المنكوبة؟ والجواب هو عجوز تعيش مع العائلة منذ زمن بعيد. لا تعلم إن كانت قد أتت من كوكب الأرض، أم أنها أتت من عالم آخر.
فكل ما نعرفه أنها ظهرت فجأة في المخيم، واستقبلتها العائلة وقبلت أن تعيش بينهم. وكيف يكون ذلك وهم فقراء؟ الأرجح أنهم فكروا أن شخصاً زائداً لن يمثّل فرقاً كبيراً في معاناتهم.
وحتى اللحظة لا نعلم إن كانت العجوز لا تزال على قيد الحياة أو أنها توفيت أصلاً، وهذه التي تعيش بينهم هي مجرد روحها.
هذا مثال واحد عن مخيم شاتيلا. مجرد قصة عادية عن تسعة أشخاص يعيشون في غرفة مع مطبخ وحمام.