ملاك وليد خالدــ بفكر أروح أسهر برام الله، تقول الصبية المقيمة في القدس لصديقتها عبر «المسنجر».
ــــ ليش رام الله؟
ــــ لأني زهقت من كل محلات الشرقية وما إلي خلق انزل عالغربية، الليلة ليلة الطلاب وبيكون السهر ميمعة وقايمة.
ــــ بتحكي زي عن بيروت أيام الحرب: شرقية وغربية.
ــــ عشان تعرفي إنو القدس عربية.
وتضحكان على مفارقة عروبة المدينة التي يمعن فيها الاحتلال تهويداً في سنتها كعاصمة للثقافة العربية.
ــــ الساعة 8 ونص ولي، الدنيا أمان؟
ــــ بدها نص ساعة لـ45 دكيكة بالسيارة.
ــــ هالقد قريبة؟ ليش بيحكوا بدهم نص نهار من رام الله للقدس طيب؟
ــــ حبيبتي، من رام الله للقدس الطريق أطول لأنهم هوية سلطة يعني بدو ألف حاجز ولفة، باسبوري إسرائيلي إذا ناسية.
تطرق اللاجئة المطرودة إلى المنافي المتعددة من الجليل نفسه الذي بقي فيه أجداد صديقتها فحصلت على جواز السفر البغيض الذي يفتح لها الطرق كلها إلى آخر زاوية في فلسطين المحتلة.
تفكر بصديق مقدسي لا يطيق الوقوف في صف، أي صف لأنّه يذكره بالاصطفاف المضني والطويل أمام حواجز جيش الدفاع الإسرائيلي، التي يسميها كل شباب فلسطين «المحاسيم» أو «المخاصيم»، لأتفه سبب كشراء خبز أحياناً، أو للوصول إلى الجامعة لتقديم امتحان على الوقت.
تفكر بالصديق الموسوس بفكرة حمل الهوية كلما خرج لغداء أو مشوار لشراء جريدة في الإمارات. لم تزل تخجل من رده على ضحكها من وسواسه «انتي ما بتعرفي ايش يعني نطلع من البيت بلا هوية؟».
ــــ إيش يعني؟
ــــ أقل ما فيها يوم بالشمس حتى ما يتحققوا منك، أو حد يوصل لك الهوية.
ــــ وأكتر ما فيها؟
ــــ سامعة بالاعتقال الإداري؟ 3 أيام، أسبوع، أكثر، هني وذوقهم عاد، هاد إذا ما طلع معهم انو عليكي أشي أمني.
ــــ طيب والبنات ذات الإشي؟
ــــ طبعاً يا حلوة، الإشي الوحيد اللي بيعملو صح هالاحتلال هو المساواة بين الجنسين بهالأمور، شو فكرك انتي؟ احتلال تقدمي!!
كلهم فلسطينيون، ولكل منهم حكاية في التنقل. للّاجئين المشرذمين في أصقاع الأرض «العربية» حكاياتهم، ولأهل 67 معاناتهم ولأهل 48 التسهيلات، وللمحظوظين منهم الذين حصلوا على جنسيات غير عربية تحترم قيمة الإنسان فيهم امتيازات.
ينبه «NUDGE» (أي إشارة التنبيه على الماسينجير) الصديقة التي تفتح شباك غرفتها من على جبل الزيتون لتدخل إليها أنوار المدينة المقدسة. تعود من شرودها إلى استكمال حديث كان يمكن أن يكون عادياً جداً فيما لو أجراه أي شخصين غير فلسطينيين.
ــــ رح أروح أنا، صاروا واصلين، حيمرّوا عليي تياخدوني نسهر. بدك إشي؟
ــــ سلامتك حبيبتي، انبسطي
ينطفئ ضوء شباك الحديث الافتراضي. تمسح دمعة أضاءت ليلها الطويل وتتنهد «بدي البلاد».