البقاع الأوسط ــ نقولا أبورجيليلم تعد «رزقة» بستان الكرز تكفي لسدّ احتياجات عائلة نبيه العسيلي الأساسيّة. باتت هذه الرزقة «بلا بركة»، وخصوصاً أنها تأتي في نهاية الموسم «لتسدّ الديون التي تتراكم علينا طيلة فترة الموسم، وذلك ثمناً للأسمدة الكيميائية وأعمال الحراثة والتشحيل». وصل هذا الرجل، بعد 12 عاماً من الجهد في سهل بلدة كفرزبد حيث البستان، إلى الخاتمة التي أرجأها مراراً، فكان أوّل ما يقوم به مع بداية الموسم هو قطع «كل أشجار الكرز». يقول العسيلي «ولا سنة ردّينا تكاليف الحراثة والتشحيل، ورزقتها صارت قليلة». لهذا السبب، استعان العسيلي بجرافة كبيرة لتنظيف بستانه البالغ عشرة دونمات.. من الكرز.
غير أنّ «الرزقة القليلة» لم تكن السبب الوحيد لاتّخاذ العسيلي هذا القرار، فثمّة أسباب أخرى يذكر منها «الجفاف، إذ لا توجد مصادر مياه جوفية تساعد أصحاب الأراضي على تزويد أرزاقهم بالكميات اللازمة للري، هذا فضلاً عن المشكلة الأخرى المتمثلة بانتشار دودة الشجر المعروفة بزيز الكرز أبو شوارب، الذي ينخر الجذوع من الأسفل إلى الأعلى، مسبّباً يباس الأغصان وشلّها وعجزها عن النمو». وما زاد الطين بلّة «الشلهوبة» التي أتت أخيراً لتضرب نحو 80% من موسم الكرز، ولكل هذه الأسباب، لم يبق من 500 شجرة يملكها العسيلي وأشقائه سوى 300.
لم يكن العسيلي وحيداً في اتّخاذ قرار كهذا. فريد فريحة، مزارع آخر فضّل «القضاء على الكرزات، ودفع ألف ليرة مقابل نزع كل نصبة، بدلاً من دفع الملايين من الديون». غير أن التكاليف لا تقف فقط عند حدود الألف ليرة لكل نصبة، إذ يضاف إليها بدل أجرة تقطيع الأغصان. وتراوح تكلفة التقطيع ما بين 30 و45 ألف ليرة عن كل ساعة عمل بواسطة منشار يعمل على البنزين، عدا عن مصاريف نقل الحطب وتوضيبه في مستودعات المنازل، تمهيداً لاستخدامه وقوداً للتدفئة في فصل الشتاء.. وبيع جزءٍ منه. وفي هذا الإطار، يلفت فريحة إلى «أنّ تجار الحطب يدفعون ثمن الغرسة مبالغ تراوح بين 500 ليرة وألف، وذلك بحسب حجم جذعها، على أن تكون تكلفة نزعها على نفقة هؤلاء».
وبجولةٍ في منطقة البقاع الأوسط، تبيّن لـ«الأخبار» أن عدداً غير قليل من أصحاب الأراضي المزروعة بأشجار الكرز، سيتّخذون القرار نفسه الذي اتخذه فريحة والعسيلي أيضاً. وقد طالب هؤلاء وزارة الزراعة بإيجاد حل مناسب، كإقامة سدود مائية على مجاري الأنهر من أجل تأمين مياه الري، وبالأخص نهر الغزيّل، أحد روافد نهر الليطاني. كذلك ناشدوا الوزارة، تكليف مهندسين زراعيين درس إمكان مكافحة «أبو شوارب» الذي عجز الأهالي عن مكافحته بشتى الطرق.