ليست دعوة للغشّ، بل هي مجرّد محاولة لمواكبة آخر «صيحاته»: أساليب تسخّر التكنولوجيا لمصلحتها، وتتطلّب من الطلاب مجهوداً وصبراً يوازيان ما قد يتطلّبه الدرس، إلا أنها تظلّ الخيار الأمثل بالنسبة إلى بعضهم، بدافع أن بعض المواد «بلا طعمة وما حتفيدنا بالشغل بعدين»، كما يبرّرون
رنا حايك
«ولك ما بقى حدا إلو جلادة يدرس. 80% بيغشوا وخصوصاً بامتحانات آخر السنة لإنو بيكون إجا الصيف وبلّشت السهرات والنزلة عالبحر»، يقول طارق، طالب في كلية إدارة الفنادق في جامعة A.U.S.T. فعلاً، يعاني تنظيم العام الدراسي من خلل أساسي: كيف وقّت المعنيون الامتحانات مع حلول الصيف و«الجو البديع»؟ نكاية بالطلاب يعني؟
طبعاً، لم يسكت هؤلاء. ردّوا بالكسل والاستسهال ... والغش.
ليس الغش أمراً طارئاً على تلامذة المدارس أو على طلاب الجامعات، وإنما الجديد هو كمّ الابتكارات المبدعة في هذا المجال، فقد ولّى أو كاد يولّي زمن الغش من زميل الصف «بالمونة بالله» أو زمن الروشتات المكتوبة يدوياً، بخط يرهق العيون لصغره: اليوم، يسخّر الشباب التكنولوجيا لخدمتهم، يستفيدون من جميع إمكاناتها لإتمام «العملية».
هكذا، قد تجد عبارة «تأسست دولة لبنان الكبير عام 1920» ضمن «محتويات» أو «تركيبة» زجاجة العصير. قد يظل هناك حيّز لذكر «الأسباب غير المباشرة للحرب العالمية الأولى». هذا إذا كنت تبحث في سلة المهملات في مدرسة ما. أما في الجامعة، فستكون «المحتويات» أكثر تعقيداً إذا صح التعبير، وفي الغالب أنها ستستعصي على فهمك، وخصوصاً لو كانت تعود لأحد طلاب قسم الفلسفة، وتتعلق بأسس «المدينة الفاضلة».
فقد أتاح برنامج «Photoshop» تبديل العبارات المكتوبة على الغلاف الملصق على زجاجات المياه أو العصير، فيما تكفلت آلات الطباعة بإعادة طباعتها، وصبر الطلاب الذين لا صبر لهم على الدرس، أتاح لصقها مجدداً، بتأنّ، على الزجاجة.
أما ثورة الاتصالات، فقد أضافت إلى قائمة أدوات الغش التي كانت تتضمن الآلة الحاسبة عنصراً جديداً: الخلوي، برسائله القصيرة، وإمكان تدوين الملاحظات عليه، ونجم إمكاناته الأحدث: «البلوتوث»، الذي يوفّر تكلفة الرسائل، والذي تتلقاه جميع أجهزة الطلاب المشغّلة.
ولكن، هناك من بين الطلاب من لا يفسحون المجال للتطور التقني بأن يطغى على «العلاقات الإنسانية». هؤلاء، ما زالوا يغرفون من كنوز تراث الغش التقليدي ويعتمدون سلوك التكافل والتضامن بين بعضهم، فيما يقلّصون الخسائر إلى: عدد واحد «تي شيرت». فلا بد من وجود بقعة بيضاء ومهما كانت صغيرة، على القمصان المزخرفة من الخلف. على تلك البقعة، يكتبون بالحبر، لتكتمل اللوحة...
إلا أن الطلاب ليسوا جميعاً متعاونين، و«نذالتهم» قد تكلفهم صداقات: «حاولت جيسي أن تغش من تيدي. نادته فلم يردّ. سمعتها المراقبة وزجرتها ولم يردّ. بعد ذلك، غضّت المراقبة الطرف، لتساهلها، فنكزت جيسي تيدي بالقلم ولم يردّ، رغم أنه من أولئك الذين يسألون خلال الامتحان عادة، فنساعده حين نستطيع»، يقول فادي، طالب الرياضيات في الجامعة اليسوعية، لافتاً إلى خصومة الطالبين منذ ذلك الحين، «ومن يوما ما بيحكوا مع بعض». وتتضمن قائمة الغش أدوات تقليدية لا نهائية: من المراية، إلى الروشتة المحشورة في البراية، إلى تلك المدفونة في أماكن يصعب على المراقب الوصول إليها تحت طائلة اتهامه بالتحرش الجنسي.
وكما الغش فنون و«إلو ناسه»، كذلك «إلو مواده»، إذ اجتمع أكثر من طالب على رأي واحد: معظم الغش، نقوم به في المواد التي نرى أنها لن تفيدنا لاحقاً في سوق العمل حيث «هونيك الشطارة»، كما تقول طالبة الأدب الفرنسي في اليسوعية، مايا.
عبارة لا تبشّر بالخير، نظراً إلى مفهوم «الشطارة» في المجتمع اللبناني.


النجاح مكلف... حقّه 200 ألف ليرة

يعطي خالد، طالب الهندسة، دروساً خصوصية في مادتي الفيزياء والرياضيات. لجأ إليه ذات يوم أحد طلاب السنة التحضيرية في الجامعة الأميركية، طالباً منه تأدية الامتحان بدلاً منه، فقد حاول الدرس طويلاً، لكنه لم يتوصّل إلى فهم المادة الصعبة، فاستسلم وقرّر الاستعانة به. كان ذلك نوعاً جديداً من الخدمات التي يقدّمها خالد. جذبه حسّ المغامرة، والمبلغ المغري (200 ألف ليرة لبنانية) الذي عرضه الطالب عليه، ففعلها. لم يلاحظه أحد لأن الصف مكتظّ بحوالى 150 طالباً. لكنه لم يفعلها ثانية، رغم اتصال الطالب به بعد ذلك، ورفع المقابل إلى 250$. أولاً لأنها «وجعة راس» وثانياً لأنه قرر، بعد الانتخابات في 7 حزيران، «إنو ما نجّح حدا لقاء مصاري».