قاسم س. قاسمأردت الهرب من كل شيء، وخصوصاً ذاك الاكتئاب الذي أصابني. قررت أن أكون إلهاً هذه الليلة. كنت أعلم أنّ المهمة الملقاة على عاتقي كبيرة. فبيدي أملك قرار حياتي أو موتي، ببساطة، قررت أن أنتحر.
أردت الطريقة الأنسب والأنجح والأخف ألماً، حتى لو أنّ النتيجة هي الموت لكن «مش ضروري موت أنا وعم أتوجع». كنت أعتقد أنها عملية سهلة لكنّها كانت بالغة التعقيد كأنّها عملية حسابية طويلة.
جلست ووضعت ورقة أمامي، لأحدد كيف يمكن الموت أن يأتي: طلقة في الرأس، حبوب أعصاب، القفز عن الطابق الخامس، أو طعنة سكين في أوردة يدي اليسرى.
حضّرت قهوتي وعلبة السجائر فهذه ستكون ليلتي الأخيرة، وعليّ أن أستمتع بكل لحظة. للصدف أول ما لفت نظري على علبة الدخان عبارة «liberté, toujours»، عن أي حرية يتحدثون؟ حرية الاختيار بين الحياة والموت؟ خلفي كانت خريطة فلسطين، ارتفع صوت الموسيقى الكلاسيكية لتضفي على الموت نكهة رومانسية.
أشعلت سيجارتي وجلست أتأمل الدخان المتصاعد منها، اكتشفت أنّه يبقى معلقاً في السقف. حاولت للمرة الأولى أن أنجح في صنع دوائر دخانية. لكنّني فشلت. تأملت الورقة والخيارات. بماذا أبدأ؟ استبعدت الخيار الأول لأنّني ببساطة لا أملك مسدساً، ولا مالاً كافياً لشراء واحد. ربما يمكنني أن أستعير واحداً فهو سيستعمل لمرة واحدة فقط.
ربما يمكنني أن أسرق حبوب الأعصاب التي أدمنتها والدتي، وكنت أنا سبب إدمانها عليها. دخلت إلى غرفتها، سرقت خمس حبات زهرية اللون. لم أبتلعها مباشرة، فقهوتي لم تنتهِ، وأريد أن أستلذ بما بقي من سيجارتي. لم تعجبني فكرة الموت بهذه الطريقة، لأنّ أغلب الممثلين والمشاهير يختارون الموت هكذا. وأنا لم أكن يوماً ممثلاً، أو ربما كنت ممثلاً ناجحاً ولم أنتبه لذلك.
جلست أتأمل السقف وأفكر، لم أتوقع أن تأخذ عملية الانتحار كل هذا الوقت. راجعت نفسي، وما قد يقال عني «واحد كافر، ما بدنا نصلي عليه لأنو انتحر». بالنسبة للعائلة، سأكون الابن الضال الذي ألحق العار بها. أما أصدقائي، فماذا سيقولون عني؟ هل سأخلف فراغاً في حياتهم؟ الأشخاص الذين اعتادوا رؤيتي، هل ستصدمهم فكرة انتحاري. كرّت كل هذه الأشياء وأنا في مرحلة التفكير بالانتحار فقط.
انتهت سيجارتي، فخلعت الحذاء والجوارب، رميت الساعة جانباً لأنّها كانت تشنق معصمي. تركتها وتوجهت نحو الشرفة.
كان القمر ينير درب السقوط، وقفت على حافة الدرابزين. شعرت بدوار، فنزلت وحجتي شرب الماء فـ«حرام موت عطشان». شربت وعدت إلى الشرفة. نظرت تحتي فوجدت عمود كهرباء. خفت أن أرتطم به، أو حتى أن يتوقف قلبي بمجرد القفز. ربما قد أسقط على سيارة جارنا وأصاب بشلل، وقد يبتلي الرجل بما يعرف بالحق العام. ألغيت الفكرة لأنّني لست عصفوراً، ولأن الجاذبية ستكون الفائز الوحيد في هذه المعركة.
نزلت عن حافة الشرفة ودخلت المطبخ، سحبت سكيناً، وضعتها على وريدي الأيسر مع أنّني أردت موتاً لا ألم فيه. شعرت بحماوة السكين فرميتها على الأرض، بعدها، عدت إلى غرفتي، بعدما تأكدت أنني أجبن من أن أكون إلهاً ولو للحظة.