يجمع الفرقاء السياسيون على ضرورة استقلالية السلطة القضائية عن السياسة، ويرون في نزاهة القضاء عموداً فقرياً لبناء دولة المؤسسات. وبين المعايير القانونية وأهواء السياسيين المختلفة، يواجه القضاء اختبار فرض سلطته أو «راوح مكانك» في المرحلة المقبلة
محمد نزال
انتهت الانتخابات، وفازت «الأكثرية» بالأكثرية مجدداً. دخلت البلاد في مرحلة جديدة، لن تتّضح ملامحها إلا مع مرور الوقت. بيد أن هناك أموراً يُفترض ألا تتأثر بنتائج الانتخابات، وحركة تداول السلطة، وذلك عملاً بمبدأ فصل السلطات، ووجوب المحافظة على استقلالية السلطة القضائية. لكن في لبنان، فرض واقع التجاذب السياسي في المراحل الماضية نمطاً استثنائياً، على عمل مؤسسات الدولة، وذلك باعتراف غالبية الفرقاء، وإن اختلفت التفسيرات في ما بينهم. مضت أربع سنوات من الحكم، تعرض القضاء خلالها للعديد من الخضّات، اتهامات من هنا ودفاع من هناك، ويُتوقع أن تستمر هذه الحالة، تجاه القضاء أو تجاه «بعض القضاة» كما يردّد بعض السياسيين، ما لم تعالَج مكامن الخلل. ويبقى الأمر رهن بالسياسة التي ستُّتبع تجاه القضاء، بعد نتائج الانتخابات الأخيرة.
وفي هذا الإطار، أشار عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب نوّار الساحلي، إلى أن «الاتهامات التي كنّا نوجّهها سابقاً لم تكن بحق القضاء كمؤسسة، بل تطال بعض القضاة الذي كنّا نحذّر المؤسسة من جعلهم أدوات في يد السلطة الحاكمة»، واستفاض الساحلي معتبراً «أن هذا الأمر يؤثر في حيادية القضاء، وبالتالي في البلد برمّته، لأن القضاء يعدّ أهم المؤسسات التي تؤمّن العدالة والمساواة للجميع». وعن رؤية فريقه السياسي للقضاء في المرحلة المقبلة، أكد الساحلي في حديث مع «الأخبار» أنه ومن موقع المعارضة «سنعمل بتركيز على استقلالية القضاء، للارتقاء به، وليصبح مؤسسة تدير شؤونها بنفسها، ولكي لا يصبح كل قاض مستجدياً عند السياسيين». ولاقاه في ذلك، عضو كتلة القوات اللبنانية النائب أنطوان زهرا، الذي شدّد بدوره على أهمية القضاء في بنية الدولة «فهو الضمانة الأساسية للحريات، وضمانة الاستقرار الاقتصادي، ولذلك فإن استقلاليته ونزاهته أمر أساسي في كل بلد ينشد الحداثة والديموقراطية». وأضاف زهرا في الموضوع ذاته، إن القوات «شرّفت نفسها بوزير من القوات هو وزير العدل، الذي كان أميناً على استقلالية القضاء، ولم يتدخل به حتى عندما طلب منه ذلك». تجدر الإشارة إلى أن النائب زهرا كان قد تقدم في آذار المنصرم باقتراح قانون إلى المجلس النيابي لمناقشته، يقضي بالعفو عن جرائم الحق العام التي تعود إلى ما قبل 27 نيسان 2005، وكان هذا الاقتراح قد لقي جدالاً سياسياً حاداً، إذ عدّه البعض هادفاً إلى «العفو عن المتعاملين السابقين مع العدو الإسرائيلي». ويرد زهرا على سؤال عما إذا كانت الأكثرية النيابية الحالية سوف تستفيد من موقعها، وتعمد إلى إمرار هذا الاقتراح أو سواه، قائلاً «اقترحت سابقاً هذا القانون ووضعته قيد المناقشة، وقد ناقشته مع كل الكتل في البرلمان باستثناء كتلة حزب الله، لكن الباقين قالوا إنهم مستعدون لإمراره، إنما بعد أن تُجرى عليه بعض التعديلات»، ليختم مؤكداً عدم النية بتجاوز القوانين، لكن «نريد العدالة للجميع».
ويمكن ملاحظة قاسم مشترك بين الفرقاء السياسيين، ألا وهو تشديدهم على أهمية القضاء وضرورة المحافظة على استقلاليته، «فلا دولة عادلة إلا إذا كان هناك قضاء عادل وشفاف»، كما يؤكد عضو تكتل «التغيير والإصلاح» النائب سيمون أبي رميا، الذي أعرب عن أمله بدور فاعل للقضاء عموماً، وللمجلس الدستوري خصوصاً في المرحلة المقبلة، مشيراً إلى تمتّع بعض الذين كانوا مرشحين للانتخابات بنفوذ لدى القضاء، «فبعضهم أتى وهدد بعض العائلات في جبيل، قائلاً لهم إنه في حال عدم الاقتراع لمصلحتهم سوف يزجّون في السجون»، مضيفاً «يجب أن تكون السلطة القضائية مستقلة تماماً، وأن تكون ملتزمة بالمعايير القانونية فقط، ولذلك يجب إبعاد السياسة عن القضاء، وأن لا يعيّن القضاة من جانب السياسيين، بل من جانب قضاة مثلهم، ونحن سنولي هذا الموضوع اهتماماً كبيراً وإن كان من موقعنا المعارض».
يذكر أن الانتخابات الفائتة قد تميزت بارتفاع عدد النواب من الجيل الشاب، الذين أصبحوا نواباً عن الأمة للمرة الأولى، ومنهم النائب المنتخب عقاب صقر، الذي أكد بدوره على دور القضاء «فهو العمود الفقري لبناء الدولة، ولا إصلاح في أي مجال طالما لا يوجد إصلاح قضائي». وأردف صقر، أنه بدوره، سيعمل قدر الإمكان على استقلالية القضاء، علماً أن هذا يحتاج إلى جرأة كبيرة لأن للأمر انغماساً كبيراً في السياسة، إضافةً إلى وجود أبعاد طائفية». وختم صقر ببادرة لافتة: يجب تكوين «لوبي» لدعم القضاة مادياً وإعلامياً ومن كل النواحي.


«ارفعوا أيديكم عن القضاء»