نشرت مجلة «ساينس دايلي» أخيراً دراسة أكّدت أن عدوى فيروس أنفلونزا الخنازير H1N1 انتقلت إلى البشر قبل أشهرٍ من التنبّه إليها. وقد شرح الدكتور أوليفر بيبوس البروفيسور في جامعة أوكسفورد فرع علم الحيوان وكاتب البحث المسار الذي سلكه هذا الفيروس خلال تطوّره نحو تركيبته الحالية. ويرجّح بيبوس أن الفيروس هو نتاج تزاوج أنواع مختلفة من الفيروسات التي تصيب الخنازير، وأن تطوّره إلى هذه الحالة يعود إلى الإهمال في متابعة الأمراض التي تصيب الخنازير، وكذلك إلى سوء الرعاية الطبية المقدّمة إليها. الحالة الراهنة لفيروس H1N1 المسبّبة للوباء تعود إلى قدرته على الانتقال بين البشر والحيوانات، وحمله لخصائص ثلاثة أنواع من فيروسات الأنفلونزا (الأنفلونزا البشرية وأنفلونزا الطيور وأنفلونزا الخنازير القديمة). ويؤكّد الدكتور بيبوس أن هذا التحوّل Mutation في تركيبة الفيروس وطبيعته قد استغرق سنوات طويلة قبل انتقاله إلى البشر. هذا الاستنتاج هو حصيلة استخدام الوسائل المعتمدة في دراسة الفيروسات ومتابعة الأمراض الناتجة منها لدى الحيوان. هذه الوسائل طوّرتها مختبرات جامعة أوكسفورد خلال العقد الأخير. ويرجّح باحثون آخرون في جامعات إيدنبورغ وأريزونا وهونغ كونغ أن هذا الوباء سيستمرّ سنوات طويلة، لكن تطوّره بعدما بات قابلاً للانتقال بين البشر يبقى خاضعاً لقدرته على التحوّل، وأنواع التحوّل التي يمكن أن يكتسبها من الخصائص البشرية.
رغم إعلان منظمة الصحّة العالمية رفع حالة الطوارئ إلى الدرجة السادسة والأخيرة، أي إعلان تحوّل أنفلونزا الخنازير إلى وباء عالمي، فإنّ الوباء لا يزال من الدرجة الوسطى. هذا معناه أن نسبة الإصابات المميتة ما زالت أقل بكثير من سابقاتها، كما أن حالات المرض في مجملها تتجاوب بسرعة مع العلاج، ولا تسبّب أضراراً دائمة للجهاز التنفسي. لكن هذا لا يعني أن الفيروس قد يقف عند هذا الحدّ، إذ من الممكن أن يطوّر فيروس بهذه المميزات نفسه بسرعة وبشكل مفاجئ إذا توافرت الظروف المواتية له. لذا لا بدّ من الاستمرار في توخي الحذر والالتزام بتوصيات منظمة الصحة العالمية. هذه التوصيات التي تتضمن الخضوع للفحوص الضرورية فور ظهور أية عوارض مرضية (ارتفاع درجة الحرارة والسعال والوهن وألم المفاصل واللعيان والإسهال والتعطيس وسيلان الأنف). كذلك يشدّد المعنيون على ضرورة غسل الأيدي المتكرر وتعقيمها حين ملامسة السطوح المختلفة خارج المنزل (في سيّارات الأجرة والمطاعم والنوادي وأماكن العمل وغيرها). وإذا تعذّر ذلك فوراً فيجب تفادي وضع الأيدي على العين أو الفمّ أو الوجه عموماً. هذه التدابير الاحترازية إضافةً إلى اعتماد الأقنعة يسهمان في التقليل من احتمال التقاط العدوى. وهي ضرورية للأطفال والكبار. كما أن تقوية جهاز المناعة من الأمور التي تسهم في التخفيف من احتمال التقاط العدوى وترفع من قدرة الجسم على مقاومة المرض في حال الإصابة. هذا الأمر ممكن عبر تناول الفيتامينات، ولا سيّما الفيتامين C يومياً حتى خلال فصل الصيف. ويجدر التذكير هنا بتوصيات وزير الصحّة الدكتور محمد جواد خليفة في لبنان بضرورة التلقيح ضدّ الأنفلونزا الموسمية حالما يتوافر اللقاح في الأسواق، وذلك لمنع الالتباس في تشخيص الإصابتين. فاللقاح الموسمي يخفّف من عوارض الأنفلونزا الموسمية ويحمي في الكثير من الحالات من تطوّرها. من المعروف أن الفئات الأكثر عرضة للإصابة بأنواع الأنفلونزا على اختلافها هم الأطفال وكبار السنّ والمصابون بأمراض ضعف المناعة. وبالرغم من أن الإصابات في لبنان ما زالت قليلة نسبياً فإنّ موسم السياحة الصيفي قد يزيد من احتمال دخول المصابين القادمين من البلدان
الأخرى.