ما زالت العطلة تدغدغ أحلامنا، ثلاثة أشهر من الراحة والاستيقاظ المتأخر، ليالٍ طويلة من المرح... لا كتب، لا واجبات ولا درس، إنها الحريّة المطلقة. تقليدياً، هذه هي فكرة العطلة لمعظم أطفالنا، مرح من دون مسؤولية أو هموم. غير أن الوسائل التربوية الحديثة تشير إلى ضرورة تنظيم وقت الطفل، وخصوصاً خلال عطلة طويلة، عبر اندماجه في مخيمات رياضية ـــ تثقيفية تساعده على صقل شخصيته...
ربى الحلو ـــ سناء صفوان
يوم عطلة نهاية أسبوع تقليديّ في منزل العائلة في الطابق الثاني: هناك تختلط الأصوات بين محطات التلفزيون والألعاب الإلكترونية... تجلس لميس (6 أعوام) تراقب بحذر مجريات أحداث المسلسل التركي المدبلج، مضيفةً تعليقاتها الطفولية بين الحين والآخر، كأنها تدرك فعلاً واقع ما يجري. أما شقيقها إيليو، فمنهمكٌ في لعبة كمبيوتر هي عبارة عن حرب شوارع متنقلة تنتهي بموت البطل أو الشرطة! تقول الوالدة «اقتربت العطلة الصيفية، عليكم الاستيقاظ باكراً لمساعدتي في الأعمال المنزلية، بعدها يمكنكم اللعب ومشاهدة ما يحلو لكم من برامج، هذا واجبكم الصيفيّ عليكم بالإطاعة». تعلّق جارتها عبير على حديثها قائلة: «عزيزتي هذا لا يجوز. على أطفالك الاهتمام بدراستهم قليلاً. أنا أفضّل أن أرسل ابنتي إلى مخيم صيفي حيث تنهي دفاتر العطلة وتمرح مع أصدقاء لها».
كلويه (12 عاماً) فتاة كثيرة الحركة، لا تحب البقاء في المنزل في فترة العطلة. تزاول أنواعاً مختلفة من النشاطات كالركض والرقص التعبيري واللاتيني، وهي إلى ذلك مجتهدة في المدرسة، وتعرف كيف تنظّم وقتها لتجمع بين المرح والعمل، «أشعر بانتمائي إلى الخارج خلال الصيف، لقد اعتدت مزاولة الرياضة والاشتراك في المخيمات الصيفية. أُعدّ مع أصدقائي لمسرحية غنائية راقصة نعرضها في شهر تموز. انتهينا أخيراً من انتقاء الملابس». وتقول كلويه « أذكر يومي الأول في المخيم الصيفيّ، كنت أبكي وكرهت والدتي لأني اعتبرت أنها تريد التخلص مني. لقد كنت غبية، فقد أكسبني المخيم خبرةً لا مثيل لها، وأنا أنقلها اليوم إلى الصغار الذين أدرّبهم على الرقص التعبيري».
لم يتردد يوسف (14 عاماً) في الذهاب إلى المخيم الصيفيّ. يقول «لا أعتقد أنّ والديّ فكّرا كثيراً في الأمر. لقد كان خياراً بين بقائي أنا وإخوتي في المنزل مع جدتي والمعاناة اليومية كما المشاكل، والالتحاق بمخيّم في فصل الصيف، وكان الخيار». والدا يوسف يعملان كثيراً لتوفير مستلزمات العائلة. المخيم الصيفيّ كان عبئاً مادياً عليهما، جعلهما يزيدان من ساعات العمل، غير أنه جاء بفائدة على أولادهما. يوسف اليوم التحق بالجامعة، وهو يعتمد على نفسه من ناحية المصروف الذي يوفّره من العمل في أحد المخيمات. ويضيف «لا أدري إن كان المخيم أو مشاكلي الشخصية مع جدتي جعلاني أكثر قرباً من الأطفال الذين أدربهم على لعبة كرة الطائرة. ربما الحالتان معاً، أنا سعيد بعملي على أيّ حال».
تقول مديرة مؤسسة «تالة» للوسائل التربوية الدكتورة نجلاء نصير بشور إن الأولاد يحبّذون المخيمات لأنها بمثابة مدرسة من نوع آخر. فهي مدرسة رياضية صيفية وترفيهية، يقضي فيها الأولاد معظم أوقاتهم، يتعلمون مختلف أنواع الرياضة، يعقدون صداقات جديدة قد تكون في بعض الأحيان حقيقية وتدوم». بشور تلفت إلى أن المخيمات الصيفية تعوّد الولد التفاعل مع المجموعة، والالتزام بالقواعد والأنظمة، واكتشاف مواهبه وقدراته وتنميتها. كما أنها تسهم في بناء شخصية الولد من خلال تعويده الاعتماد على نفسه والاستقلالية.
لماذا ينهمك الأولاد في اختيار المشاريع والأنشطة للعطلة الصيفية؟ وما هي أهمية هذه العطلة بالنسبة إليهم؟ تقول بشور إن العطلة الصيفية ضرورية لكل الناس، وخاصة التلاميذ، لأنها تمثّل فترة استراحة بعد مدة طويلة ومكثفة من الجهد. يجدد الولد نشاطه خلالها ليستعدّ للمرحلة المقبلة من الدرس. على أي أساس يجب اختيار نشاط ما؟ وما هي النشاطات التي يستحسن أن يمارسها الأولاد؟ تشير بشور إلى أهمية النشاطات التي تلبّي حاجات الاستراحة، وتنمية المواهب، وتوطيد العلاقات العائلية والاجتماعية، الحركة الجسدية والنشاطات التي تطور شخصيته من نواح مختلفة، وتضيف :«كثيرة هي النشاطات التي يستطيع الولد القيام بها، وتلبّي تلك الحاجات. وهي تختلف عن نشاطات المدرسة، إذ لا تتطلب تركيزاً كبيراً، بل هي نوع من الراحة». وتقول بشور إن هناك برامج صيفية منظمة يمكن الاستفادة منها، وهي تعتمد النشاطات المتنوعة لمدة أسبوعين أو ثلاثة، وتتضمن نشاطات تثقيفية وترفيهية لانظامية، وفيها مجال للمطالعة، ممارسة بعض أنواع الرياضة، نشاطات فنية لتنمية المواهب، نشاطات ثقافية ومسابقات في المعلومات ونشاطات يعملون فيها على الكمبيوتر.
هل تصحّ الدراسة في العطلة الصيفية؟ تجيب بشور بأن الدرس يصحّ في الصيف فقط إذا كان الولد يعاني ضعفاً معيناً في مادة ما، لذلك يمكن الاستفادة من جزء من فترة الصيف بتعويض ما فاته خلال العام الدراسي.


نشاطات «تالة»

تنظم مؤسسة «تالة» مجموعة من النشاطات والمخيمات الصيفية، ولها تجربة متميزة في هذا المجال. في بداية التسعينيات نظمت جمعية الهدى للرعاية الاجتماعية (التابعة لمؤسسة تالة)، بالتعاون مع جمعية الشبان المسيحيين وبدعم من منظمة اليونيسيف، نشاط جمع أولاد من بيئات اجتماعية فقيرة، فقدوا أحد الأبوين نتيجة للحرب. عام 1998 نُظم «ملتقى أطفال لبنان»، ضم مئة طفل من الشريط الحدودي الذي كان لا يزال آنذاك تحت الاحتلال. تنوعت نشاطات الملتقى الرياضية والفنية، والتثقيفية (معلومات عن لبنان)، إضافة إلى الدبكة والمسرحيات. ونُظمت زيارات إلى طرابلس، وجبيل، وبعلبك، وأنطلياس وبيروت. وكان المشاركون في المخيم يجولون برفقة أولاد من هذه المناطق ويتفاعلون معهم