يمر الاتفاق بين وزارة التربية والتعليم العالي وشركة «ليبان بوست» الذي حصر إنجاز المعاملات التربوية عبر الأخيرة، بتعسر عبثي يثير استياء المدارس والمواطنين على حد سواء، ولم ييسّر حلول شهر الإفادات المدرسية الأمر، بل ساهم في إبراز حجم المشكلة. هكذا، تنتظر المدارس «الحقيبة الخضراء» فلا تصل قبل أسابيع طويلة في وقت تصاعدت فيه مطالب الناس بحقهم في اختيار وسيلة تسيير معاملاتهم
فاتن الحاج
يَحضر علي (رفض ذكر اسمه كاملاً) إلى وزارة التربية لتصديق إفادة لابنته المسجّلة في مدرسة خاصة. يرشده الدركي إلى مكتب «ليبان بوست» الذي استحدثته الوزارة في الطابق الأرضي لمبناها في الأونيسكو قبل أن يقرأ الملصق المعلّق في المكان «للتصديق أو للحصول على إفادة أو شهادة رسمية تقدم الطلبات في مكتب ليبان بوست المجاور». هي آلية جديدة لم يسمع بها علي من قبل، ومع ذلك يقصد المكتب لمعرفة ماذا عليه أن يفعل. يقف إلى جانب عشرات المواطنين الذين «يخلّصون» معاملاتهم الإدارية عبر «شباك» المكتب الأشبه بقضبان سجن. الانتظار يطول، فيقرّر الرجل أن يجرّب حظه «فوق»، كما قال، «بركي بيصدقولي إياها». يصعد إلى الطابق الثالث حيث نرافقه إلى مصلحة التعليم الخاص، الجهة المعنية بالإفادة. هناك يوافق الموظف بلا تردد على تصديق الإفادة شرط أن يُحضر الطابع المالي المتوافر فقط في مكتب «ليبان بوست»، وهكذا كان. أنهى الرجل معاملته خلال دقائق معدودة. لكنّه خرج من الطابق وفي ذهنه تساؤلات عما إذا كان المواطن يحتاج لمثل هذه الواسطة بينه وبين الإدارة الرسمية، وما جدوى هذا المكتب هنا بالذات ما دام لا يتقاضى رسوماً عن المعاملات التربوية مثل باقي مراكز «ليبان بوست» في الخارج؟ ثم إنّ الموظفين يستطيعون إذا أرادوا إنجاز المعاملات، كما تقول لمى (رفضت ذكر كامل اسمها) التي قصدت دائرة الامتحانات الرسمية لتصديق شهادة رسمية لابنها فسألها الموظف ما إذا كانت مستعجلة، ليصدّق لها المعاملة مباشرة، أما إذا كان لديها وقت فبإمكانها تقديم الطلب عبر المكتب المجاور لتصل المعاملة إلى منزلها خلال أسبوع حداً أقصى. قاد السؤال لمى إلى الاستنتاج أنّ المكتب «لا يعدو كونه مركزاً لتصوير أوراق المعاملة وبيع الطوابع أكثر منه مركزاً لتخليص المعاملة باعتبار أنّ الطوابق تخلو، كما قالت، من ماكينات التصوير ومن مكان لشراء الطوابع. وتستند لمى في استنتاجها إلى أنّ معظم الذين صادفتهم هناك فضلوا متابعة معاملتهم بيدهم.
لا ينكر المدير العام للتربية فادي يرق، في اتصال مع «الأخبار»، مساهمة مكتب «ليبان بوست» في الوزارة في التخفيف على المواطن عناء الذهاب إلى الخارج لتصوير الأوراق وشراء الطوابع، لكن يستفزه القول إنّ المكتب بات مركزاً للتصوير فحسب لأنّ الهدف من الاتفاق الذي وقعته الوزارة مع «ليبان بوست» (الملزمة لشركة كندية أيام الوزير مروان حمادة) هو «تسهيل معاملات المواطنين وإيجاد «شباك موحّد» لتخليص المعاملات الإدارية على غرار ما يحصل في العالم المتحضر». وفي تقييم التجربة التي بدأت منذ شهرين، بدا المدير العام مرتاحاً «للصدى الإيجابي الذي أتلقاه من المناطق التربوية»، مردفاً «إن كانت هناك تحديات نذللها شيئاً فشيئاً». نسأل يرق عن الخلل في تسيير المعاملات ولا سيما حقيبة «ليبان بوست» التي كانت تصل بانتظام إلى المدارس مع بداية تطبيق الاتفاق، إلا أنها الآن تتأخر لأكثر من 3 أسابيع بدلاً من الوصول مرتين في الأسبوع، فيجيب أنّ الأمور تسير في إطارها الطبيعي!
لكن، لا يبدو أن «الإطار الطبيعي» يشمل مدرسة رأس بيروت الثانية المختلطة في ساقية الجنزير. فهذه الأخيرة، التي أبلغتنا أمس فقط أن حقيبتها وصلت، كانت تنتظر منذ 3 أسابيع على الأقل الحقيبة الخضراء. حتى اضطر أحد موظفيها للذهاب إلى الوزارة لإحضار تبليغات المعلمين من أجل المراقبة في الامتحانات الرسمية وغيرها من المعاملات الملحة في هذا الشهر. وهنا ترى مديرة المدرسة عايدة الخطيب أن لا مفر من العودة إلى الطريقة التقليدية حتى مع استخدام الحقيبة «فمرتين في الأسبوع الواحد، كما هو مقرر، مدة غير كافية لتبليغ المذكرات والتعاميم الإدارية الضرورية» فكيف إن تأخرت؟
وكان «حصر» جميع المعاملات التربوية بليبان بوست سبب أخطاءً في المعاملات لجهة ضياعها أو تأخيرها، كما أثار إرباكاً في صفوف المواطنين، وخصوصاً أنّ تطبيق الاتفاق مع الشركة بدأ في شهر أيار المنصرم، الفترة الحرجة للحصول على الإفادات المدرسية، وكل تلميذ سواء أكان في المدرسة الرسمية أم الخاصة يحتاج للحصول على إفادة مصدقة من المراجع المختصة في وزارة التربية لكي يتمكن والده من نيل المنحة المستحقة له، والإحصاءات تشير إلى ملامسة العدد المليون تلميذ. مع الإشارة إلى أنّ شكاوى الأهالي لم تتوقف إن لجهة تكبدهم الأعباء المالية أو اضطرارهم لاجتياز مسافات طويلة للوصول إلى مكاتب الشركة التي لا تغطي جميع الأراضي اللبنانية. والمفارقة أنّ مكتب «ليبان بوست» الموجود في وزارة التربية وافق بداية على أن يقدّم فيه موظف الوزارة معاملته العائدة إلى منطقة تربوية خارج بيروت، لكنه عاد ورفض ذلك وأجبر الموظفين على تقديم معاملاتهم في المراكز الأخرى لليبان بوست.
أما إذا كانت الوزارة تتطلّع إلى محاكاة التوجهات العالمية في المعاملات الإدارية، فإنّ الاطلاع على ما يجري في الدول المتحضرة يشير، كما تقول الخطيب، إلى تخيير المواطن في اعتماد البريد للتخلص من الأعباء لا إجباره على انتقاء هذه الوسيلة دون غيرها. وتنقل الخطيب عن وزيرة التربية بهية الحريري استغرابها للشكاوى وأنها ستقوم بما يلزم مباشرة بعد الاطمئنان إلى حسن سير انطلاقة الامتحانات الرسمية التي تبدأ اليوم.
ويبقى الرهان أولاً على تعديل الاتفاق الذي لم يكن متناسباً مع متطلبات المواطنين، وثانياً محاسبة تقصير المعلمين المندوبين المكلفين بمتابعة المعاملات عن القيام بواجباتهم متسلحين على ما يبدو بغطاء سياسي.