النبطية ـــ كامل جابر يترك أحمد مصطفى إسماعيل مركز عمله في إحدى المؤسسات الواقعة أسفل مبنى المنطقة التربوية في محافظة النبطية، عند الأوتوستراد بين مدينة النبطية وبلدة حبوش، يصعد سلّمين من الأدراج حاملاً إفادتين مدرسيتين، يدخل عند الموظف المختص، فيرشده إلى إعلان، لائحة معلقة في ممرات المبنى تدعوه إلى ... أن يقصد «ليبان بوست» لإنجاز معاملته. يضحك أحمد ويردد عبارة «بلا مزح»! أمام الموظف؛ ويردف: «أنا أعمل في المبنى نفسه وعليّ أن أقصد مبنى ليبان بوست، على بعد ثلاثة كيلومترات لأنجز معاملتي؟». فيجيبه الموظف: «هذه هي التعليمات، اقرأ التعميم المعلق في الممر».
ربما يستغرب احمد هذا الإجراء الحصري «الغريب» في إحدى شركات البريد وكيف أنه سيقطع مسافة ثلاثة كيلومترات ذهاباً ومثلها إياباً لإنجاز المعاملة، ويعود لاستلامها بعد ثلاثة أيام أو أربعة. لكن ثمة بلبلة يومية تحدث في مبنى المنطقة التربوية، وخصوصاً لقاصديه من الأماكن البعيدة، من مناطق حاصبيا ومرجعيون وبنت جبيل، الذين يقعون ضحية القرار الذي يلزمهم بمراجعة مكتب ليبان بوست، ودفْع رسم إضافي (5500 ليرة لبنانية) وصفه أحد أولياء التلاميذ بـ«الخوة»، وخصوصاً بعدما راجع مكتب ليبان بوست وأخبر الموظف هناك أنه على استعجال من أمره، فرد الموظف: «يمكنني أن أعطيك إيصالاً تسلمه إلى المنطقة التربوية، فتوقع لك المعاملة على الفور».
هكذا يفعل معظم أولياء التلامذة في منطقة النبطية والمناطق التابعة للمحافظة، إذا كانوا على عجلة من أمرهم، يدفعون الرسم في مكتب «ليبان بوست»، يضاف إليه طابع مالي أو اثنان بين ألف أو ألفي ليرة، ثم يعودون إلى المنطقة التربوية لتوقيع معاملاتهم، التي أنيطت بموظف واحد لا بديل له، بعدما كان يتولى الأمر موظفان على الأقل. ويهمس أحد الموظفين: «إن هذا الإجراء يطالنا نحن الموظفين في المبنى، إذ علينا أن نقصد مكتب ليبان بوست لدفع رسم الإيصال، ثم نعود لتسلمه بعد أيام عدة، أو ننقله نحن باليد مثل غيرنا، بعدما كنا نوقعه ونصدقه خلال دقيقة واحدة، مثلنا مثلاً مئات الناس الذين كانوا ينجزون معاملاتهم، هنا خلال دقائق، من دون أدنى شكوى أو تذمر».
حاول الموظفون تسهيل بعض أمور الآتين من مناطق بعيدة، وتوقيع معاملاتهم، بيد أن إنذاراً تلقاه هؤلاء بإحالتهم على المساءلة القانونية إذا ما كرروا الأمر. وفي المبنى تتكدس المعاملات التي تجمع في مكتب البريد قبل إرسالها بكميات، ثم تحتاج لمراجعة وتدقيق الموظف المختص «صرنا موظفين عند ليبان بوست»، يعلق أحدهم؛ وترد في العديد منها جملة من الأخطاء، فتعاد إلى مكتب البريد، الذي يطلب إلى أصحابها إعادة تصحيح، وقد تأخذ الإفادة، في هذه الحال، نحو أسبوعين، «فلمَ كل هذه البلبلة؟». يسأل أحمد إسماعيل.
ويسأل أحد الموظفين: «ماذا سيفعل 12 ألف تلميذ في محافظة النبطية، إذا ما أرادوا تصديق شهاداتهم وإفادتهم الرسمية، بعد صدور نتائج الامتحانات وانتقالهم من مرحلة إلى مرحلة؟ طبعاً سينتظمون، في الشارع بصفوف طويلة تحت قبة «السما الزرقا».


«رزق الله ع أيام زمان»

يؤكد أحد أولياء التلامذة، وهو معلم في إحدى مدارس منطقة بنت جبيل، أنه كان يحضر معه في كثير من الأحيان نحو ثلاثين إفادة للتلاميذ من أجل تصديقها في المنطقة التربوية «كنت أنجز مهماتي الرسمية خلال أقل من نصف ساعة، وقبل أن أغادر، آخذ معي جميع الإفادات مصدقة؛ فماذا عدا مما بدا، حتى بات هذا التصديق يكلف أصحابها وهم من أبناء المزارعين وأصحاب الدخل، نحو 165 ألف ليرة لبنانية، من دون طوابع؟ أنا أفهم أن يتقدم أحدهم بطلب إلى ليبان بوست في بنت جبيل، نظراً لبعد المسافة مما يسهل عليه الأمر؛ لكن ما معنى أن يكون في المنطقة التربوية، وعليه دفع «خوة» ليبان بوست؟».