مايا ياغيلحظات الحسم اقتربت بالنسبة إليهم. لحظات تفصلهم عن موعد الامتحان الرسمي. لحظات كلما اقتربت تفاقم توتّر الكثيرين، ليشمل جميع أفراد الأسرة الصغيرة ويتجاوزها نحو العائلة الأوسع، فيُصاب الجميع بضغط نفسي واجتماعي يفرضه الامتحان الرسمي على الطالب في لبنان.
فقد أضفت العادات والتقاليد التي ترافق مسيرة العلم لمساتها السحرية على الامتحان الرسمي لتعطيه أهمية بالغة، من حيث الشكل والمضمون. فما يشهده يوم الامتحان من تحركات أمنية وعسكرية، وما يخلّفه حديث الأهل وهمساتهم في أذن التلميذ والطالب، يمثّلان عناصر كفيلة بأن تحوّل مراكز الامتحانات إلى مستشفيات للأمراض العصبية. ولو تقصّدت وزارة التربية أو وزارة الصحة متابعة الآثار النفسية للامتحانات على الطالب، لتبين أن أكثر من نصف الطلاب يتعرضون لانتكاسات صحية مفاجئة قبلها أو بعدها أو حتى خلالها.
والتوتر النفسي المذكور لا يصيب الممتحن فحسب، بل يتعرّض له كذلك أهله وإخوته منذ انتهاء الدوام اليومي، حتى نهار الامتحان: فطوال تلك المدة، تظلّ أجواء المنزل مشحونة، ونظامه مختلّاً: الأم تؤجل كل ما لديها من أعمال منزلية قد تُحدث جلبة في المنزل، وتكتفي بعمليات تنظيف «عالماشي»، كما تقول أم حسين عابد، مضيفة: «ابنتي ستُمتحن قريبا.ً أقل ما أفعله هو توفير الأجواء المناسبة لها كي تحظى بدراسة مريحة، تتبيّضلي وشّي قدام الناس بدرجة جيد أو ممتاز».
أما أم حسن عنيسي (النبطية)، فتقول: «أنا ألغيت كل مواعيد الزيارات. وفي هذه الفترة أحاول قدر الإمكان استقبال أقل عدد من الناس، لأوفّر لابنتي سُكينة الهدوء اللازم لتدرس».
في مقابل الأمهات، يبدو الآباء أقل قلقاً، ومثلهم أبناؤهم، إذ يشرح أبو علي سالم وجهة نظره قائلاً: «إن الأمور تجري كالعادة»، فيما ينتظر ابنه، محمد سالم، الامتحان بأعصاب باردة، معتبراً أنه لن يكون أصعب من الامتحان المدرسي «شو رح يتغير من نحنا وصغار وعنّا امتحانات!».
أما خارج المنازل، في الشارع، فزحمة سير خانقة تواكب أيام الامتحانات، هذا إضافةً إلى تجمهر الأهالي أمام مراكز التقديم قبل بزوغ الفجر، يرافقهم أحياناً بعض الإداريين من مدير المدرسة أو الثانوية وبعض الأساتذة. هكذا، لا تعود تعرف في المشهد المركّب لمن الامتحان، للطالب أم للأهل؟
الامتحان الرسمي وقفة بارزة في حياة كلٍّ منا، لكن مناخ «الرعب» الذي يستتبعه لم يكن، بالنسبة إلى كثيرين، سوى وهم كبير رسمه الناس بريشة حالكة. فالتجربة «لم تكن صعبة كالمتوقع، بل اتّضح لي لاحقاً أن امتحان دخول الجامعة أصعب بكثير»، تقول دارين الأيوبي ـــــ صيدا،
فيما تعبّر صديقتها، غادة زين الدين، عن رغبتها في عدم تذكّر هذه التجربة أبداً: «الله لا يعيدا علينا». فغادة ذهبت للامتحان الرسمي ذات يوم، لتفتح عينيها وهي مستلقية على سرير أحد المستشفيات إثر انهيار عصبي، ما أدى إلى تغيّبها عن مادة الرياضيات، وبالتالي فشلها في الدورة الأولى من الامتحانات.
ذكريات انقضت وحُفرت في ذاكرة كلّ من عاش هذه التجربة، لحظات قادمة تترقّبها عيون حائرة لا تقوى على التفلّت من قيد كتاب يقال إنه الأصعب بين المناهج.