يوم أول من أمس، كان الشباب على موعدٍ مع خصام كروي جديد، نأى بهم عن خلافاتهم السياسية ليغرقهم في خصومة جديدة. بين مصر «أم العجايب» وإيطاليا «الخصم العايب»، بحسب أغنية سيد درويش الشهيرة، فعلت «العجايب» فعلها وهزمت إيطاليا، بطل العالم في كرة القدم، فاختلفت ردود فعل الشباب
محمد محسن
لم يكن لبنان طرفاً في مباراة أول من أمس التي تواجه فيها منتخبا مصر وإيطاليا. إلا أن الشباب اللبناني الذي أصبحت تستهويه الاصطفافات، استكمالاً لنهج آبائه وفي سياق «إرث جيني» ثقيل، ينجح دائماً في أن يجد له مكاناً في خصومة. من هذا المنطلق، انقسم الشباب أول من أمس بين الفريقين تشجيعاً.
كان من البديهي أن يشجع اللبنانيون الفريق المصري، في مواجهة الفرق الأخرى، كائنةً من كانت. إلا أن ذلك لم يحدث.
في أحد مقاهي الضاحية الجنوبية، قد يخيّل للزائر ساعة المباراة أن الفريق الإيطالي حاضر بكامله: القميص الإيطالي الأزرق الغني عن التعريف، يكتسح عيون القادمين. أندريا بيرلو، لاعب الوسط، يجلس في منتصف المقهى. يساراً، يفرك لوكا توني شعره متحمساً. وفي «حراسة المدخل» يجلس شاب عشريني، بثياب بوفون، الحارس الإيطالي الشهير. قلة فقط هم من تحمّسوا للفريق المصري. ما إن سجّل هذا الأخير هدفاً، حتى صرخ أحدهم: «ألله أكبر». بدا متأثراً، وارتسمت ابتسامة قلقة على وجهه. نسأله، لماذا مصر؟ فيستغرب السؤال عن جواب يجده بديهياً. فتعاطفه مع مصر يبدو نابعاً من منطلقات دينية وقومية، كما يوضح لاحقاً. يردّ آخر، من مشجعي إيطاليا، ساخراً: «لأنها اعتقلت سامي شهاب»، متوعّداً برد إيطالي سريع. لكنّ الرد لم يأت. ربيع، أحد المتحمّسين للفريق العربي، يعلّق على الموضوع: «70 مليون فقير. أكيد أشجعهم من قلبي، ولو كان رئيسهم حسني مبارك». يشعر بأنه مشارك في الحدث، يماثله في ذلك صديق آخر. برأي توفيق، عنصرا اللغة والدين كافيان ليحثّا يديه على التصفيق لللّاعب رقم 14: «محمد أبو تريكة». ومحمد أبو تريكة غني عن التعريف. كتب على قميصه «تضامناً مع غزة». «يومها قامت قيامة إسرائيل والفيفا»، يشرح ربيع. إلا أن هذه المعطيات القديمة لا تكفي أحمد أبداً. هو يحب إيطاليا وحسب. لا يشعر أنه معني بالسياسة وتوابعها. لكنّه، من هذا المنطلق، أعلن استغرابه الشديد. فأداء فريقه كان مخيّباً، ومصر كانت أفضل. يسكت قليلاً، ولا ينكر أنها من المرات القليلة التي يخسر فيها الفريق الإيطالي لكرة القدم.
في مكان آخر، بعيداً من المقهى، يجتمع 10 شبّان لمتابعة بطل العالم في مواجهة بطل أفريقيا. قاسم بدأ المباراة مشجّعاً لإيطاليا، وانتهى به الأمر فرحاً بفوز مصر. أصدقاؤه «الطليان» حاولوا أن يسخروا منه. اتهموه بأنه غيّر رأيه بسبب نتيجة الشوط الأول. حسين، أحد هؤلاء الأصدقاء، ينتقده بشدة، ويستفيض، ليعلن «قرفه» من المعلّق الرياضي «المنحاز». لا يرضى عن الحكم، ولا عن مارتشيلو ليبي، المدير الفني للفريق الإيطالي أيضاً. ترتسم معالم الإحباط على وجهه الصغير، كأنه خسر كنزاً ثميناً. يعترف بأن موقفه «الكروي» مسيّس، وبأنه غير قادر على فصل صورة مصر أخيراً (يتهمها بالمشاركة في أحداث غزة بطريقة غير مباشرة)، عن اللاعبين المصريين الذين يراهم أمامه. رأى فيهم «وزير الخارجية المصري، والأمين العام لجامعة الدوّل العربية، وكل الشخصيات التي أكرهها في السياسة» كما يقول. فوجئ الجميع بفوز مصر، منهم من فرح، ومنهم من تناسى خسارة إيطاليا. أما أحد المارة، فقد تذمر من الجلبة و«الطوشة» وسأل عن السبب، فأخبره الشباب أن مصر هزمت إيطاليا في كرة القدم. ابتسم مستهزئاً ليتدحرج ردّه كالكرة بين المجتمعين «ليتهم يربحون ولو مباراة واحدة ضد إسرائيل».


14 و8 بكل عرس قرص

انقسم الشباب اللبنانيون من جديد. هذه المرة كرمى لعيون مصر، أو لعيون اللاعب «غروسو». أما منال، فقد آثرت عيون غروسو وعجزت عن التخلي عن فريقها المفضل، إيطاليا، مسايرة لفريق 14 آذار وهي من أنصاره. فمناصرتها للفريق المصري، بسبب انتمائها لـ14 آذار، كان شأناً تطرّق إليه صديقها وهو يواسيها مداعباً «»لا تحزني، فمصر معنا، وضد حزب الله» لتخفيف قلقها بشأن «صعوبة فوز إيطاليا على البرازيل يوم غد». فقد اعتادت منال تشجيع الفريق الأزرق. حتى إن عينيها تبلّلتا بالدمع بعد خسارة «غروسو فتى أحلامها»، لكنّ مواساة صديقها خفّفت عنها بعض الشيء، فيما كانت تجوب شوارع الضاحية الجنوبية مسيرات احتفالية خجولة، بدأت فور إطلاق الحكم صفّارة النهاية.