لو أنني استطعت جمع لحظات السعادة في حياتي حتى الآن لأسترجعها، لظهر منها جميعاً وجهها الملائكي (...).قليلة هي أوقات الفرح. معظمها يرتبط في ذاكرتي ـــــ بشكل أو بآخر ـــــ بها. قادرة هي أن ترسم البهجة في روحي المضطربة إن أرادت. لكن شيئاً من سحر البهجة هو ندرتها. فلو أن لحظات السعادة صارت متاحة أكثر، لفقدت سحر الندرة (...).
تعرف الآلهة ذلك، فمنذ المآسي الإغريقية وحتى الآن وهي لا تمنح السعادة إلا ملحوقة بالحزن. أترى أن الآلهة تريد أن تزيد مذاق البهجة بطعم الكآبة بعدها؟ هي أيضاً ـــــ مثل الآلهة ـــــ تتبع الفرح بصمت يزيد الفرح سحراً ويزيد الأيام حزناً.
لا يمكنني أن أدّعي خبرة بها أو بالآلهة ـــــ أو بالسعادة! ـــــ لكن على أيّ حال يمكنني الآن أن أستبق لحظات ما بعد البهجة بوضوح. مع ذلك، لم أعد حذرا أبداً تجاه الفرح؛ لا أطارده ولا أستجديه، لكنه حين يأتي ألقاه كأنما لأوّل مرة. كأنني لم أختبر من قبل ما يتبعه، كأنني أراهن في كل مرة ألقاه على أنه يمكنه ـــــ إن شاء ـــــ أن يبقى إلى الأبد. وفي كل مرة لا يدوم سوى لحظات، فتزداد ذكراه غنى وعطراً. وحين يأتي من جديد يصير أكثر بهاءً ـــــ وخداعاً ـــــ فيشغلني بسحر اللحظة حتى يرحل واعداً.
وتظل البهجة سراً مغلقاً. وجه ذو ابتسامة لا تفصح عن الكثير، تدعو إلى الاقتراب حتماً؛ ففيها من الدفء ما يكفي مئات الغرباء. ولكنها سرعان ما تبعد المقترب بالابتسامة ذاتها، فهي ابتسامة قادرة أيضاً على أن تخلق مسافات لانهائية حولها ـــــ كابتسامات أيقونات القدّيسين!
www.africano.manalaa.net