لم تلحظ المحكمة أسباباً تخفيفية لمن ثبت لها أنه قاتل زوجته وابنه، فأنزلت بحقّه حكم الإعدام. إذ يبدو أن مأساوية الوقائع التي عُرضت تحت القوس كان لها وقع ثقيل على القضاة
محمد نزال
غادر عصراً مازن (اسم مستعار) الملحمة التي يعمل فيها، (في منطقة الطريق الجديدة في بيروت) لمدة نصف ساعة من دون إذن ربّ العمل. توجّه إلى منزله. دخل بهدوء. نظر إلى زوجته هدى (اسم مستعار) التي كانت مستلقية على الكنبة، وبجانبها ابنهما البالغ من العمر 4 سنوات. تشاجر معها. لم يكن الشجار جديداً. طبع حياتهما الزوجية طيلة 9 سنوات. لكن هذه المرة كان الشجار الأخير. ضربها بقسوة، كما اعتاد أن يفعل بحسب ما أكّده شهود للمحكمة، بحجة «إهمالها لوظائفها المنزلية». وتبين للمحققين وقوع هدى أرضاً مغمىً عليها من شدة الضرب. حاول بعد ذلك مازن «خنقها بوسادة». ورأت المحكمة أنه لم يكتف بذلك، بل أفرغ مادة «الديزل فيول» عليها وعلى الكنبة. أشعل النار، ثم «حمل زوجته المشتعلة ورماها، لتنطفأ النيران عن جسدها» ولم يتّضح إذا كان ذلك لمنعها من الاشتعال بالكامل أو لإنزال مزيد من الألم في جسدها. على أي حال، التهمت النيران بعض أثاث المنزل. كان الطفل الصغير يراقب تضاؤل جسد الأم. لم يتحمّل المشاهدة. فزحف نحو المطبخ فزعاً (كما كان يفعل عند كل إشكال يضرب والده فيه أمه كما أكّد شهود). وفي خطوة مستغربة، خرج الوالد من المنزل، ودمه البارد يجري في عروقه. عاد إلى مكان عمله ليتابع نهاره كأن شيئاً لم يحصل. تناول الغداء مع كأسين من العرق، برفقة زملائه. غادر بعد ساعتين إلى المنزل مجدداً. لكن قبل وصوله، مرّ مازن على دكّان قرب المنزل واشترى منه بعض المرطّبات. فتح الباب فاشتم رائحة حريق تعبق في المكان. نظر إلى زوجته فإذا بها جثّة متفحمة. دخل إلى المطبخ، فرأى ابنه ملقى على الأرض، مختنقاًً. حمله وإذا به قد غادر الحياة إذ لم تتحمل رئتاه الصغيرتان الموادّ السامة المنبعثة نتيجة الحريق. اضطرب مازن، وبدأ هول ما شاهده يلقي بثقله على ملامحه الباردة. توجه إلى منزل شقيقته الكائن في المنطقة نفسها، وقصّ عليها رواية عدّتها المحكمة مفبركة، قائلاً إنه وجد زوجته وابنه جثتين هامدتين في المنزل بسبب حريق شبّ فيه لأسباب مجهولة. اتصل بعدها بوالد زوجته وأعلمه بأن «كارثة قد حلّت»، ثم توجّه إلى مخفر المنطقة، حيث أخبر القوى الأمنية بحصول حريق في الشقة أدّى إلى وفاة زوجته وابنه.
أوقفت القوى الأمنية مازن، وباشرت تحقيقاتها معه إذ إنها كانت على علم بتعنيفه المتكرّر لزوجته. أنكر في بداية استجوابه أي صلة له بالحادث، لكنه عاد واعترف في وقت متأخر من الليل بارتكاب جريمة قتل هدى. وبعد مرور أيام على التحقيق عاد مازن وتراجع عن اعترافه، فاستُدعي شهود بإشارة من النائب العام الاستئنافي. وأفاد الشاهد سميح (اسم مستعار) أن مازن يعمل معه في الملحمة، وقد غادرها عصر يوم الحادث لمدة نصف ساعة، على غير عادته. وعندما سأله عن سبب غيابه أجاب إنه كان في الحمّام، وأضاف الشاهد إن مازن كان يعاني مشاكل مادية، وإنه سبق له أن زاره في منزله بغياب زوجته. ادعى مازن أمام المحكمة أنه تعرض للضرب من جانب القوى الأمنية ما دفعه إلى الاعتراف بارتكاب الجريمة لكن ذلك لم يكن مقنعاً للقضاة الذين استدعوا طبيباً شرعياً كشف عدم تعرضه للتعذيب.
فحكمت محكمة الجنايات في بيروت، برئاسة القاضية هيلانة اسكندر، والمستشارين وليد القاضي وهاني عبد المنعم حجار، بتجريم مازن حضورياً، وإنزال عقوبة الإعدام بحقه. كما أدانته بالجنحة المنصوص عنها في المادة 32 من قانون الأجانب، وبحبسه سنداً لها لمدة 3 أشهر، وبتغريمه مبلغ 200 ألف ليرة لبنانية، وذلك لأن مازن من التابعية السورية، وكان قد حوكم عام 2001 بالحبس لمدة سنتين ونصف سنة، وبطرده من البلاد، بعد إدانته بجرمَي تعاطي مخدرات ودخول البلاد خلسة، إلا أنه بعد مغادرته الأراضي اللبنانية عاد ودخلها خلسة، فكان مصيره أن وقعت جريمة عدّه حكم القضاء مسؤولاً عنها فقرّر وضع حد لحياته.
تجدر الإشارة، إلى أنه في ضوء انطباق أكثر من فقرة من الفقرات المشار إليها في المادة 549 عقوبات، على فعل المتهم، وعلى ضوء بشاعة الجريمة التي ارتكبها مازن (بحسب ما ذكرت المحكمة)، وبعد إضرامه النيران بزوجته وهي حية وقتله لابنه الطفل، واعترافه بأن فكرة التخلص من زوجته قد راودته قبل حوالى أسبوع من ارتكابه الجريمة، حيث عزم عليها وأعدّ الوسائل والخطة اللازمة، مع تحديد الوقت لارتكابها، فإن المحكمة لم ترَ وجود ما يمكّنها من منح المتهم أي أسباب تخفيفية، وبالتالي حكمت عليه بالموت.


قتلها أكثر من مرة!

اتخذ والد القتيلة صفة الادعاء الشخصي بحق مازن، وأكد وجود خلافات عائلية كانت بين ابنته وزوجها الذي كان يسيئ معاملتها، وأنها كانت تتناول جراء ذلك حبوباً مهدّئة للأعصاب. وذكر أنه حضر قبل أسبوع من الجريمة إلى منزل ابنته فوجدها مصابة بكدمات في مختلف أنحاء جسدها، فسألها عن السبب فتمنّعت عن الإجابة، بيد أن حفيده (الطفل المقتول) أخبره أن والده ضرب رأس والدته بالحائط، كما ضربها بالعصا ورفسها بقدميه. وتعززت هذه الأقوال مع تقرير الطبيب الشرعي الذي بيّن وجود جروح فوق عينها، وأنها تعود إلى ثلاثة أيام كحد أقصى من يوم الحادثة.