علاء العليالزينكو. ما الزينكو؟ وما أدراك ما الزينكو؟ الزينكو صفائح معدنية رخيصة الثمن، ترمى فوق بيوت بنيت على عجل هرباً من أعين الخفر. والزينكو هو ما استثار حشرية شاب في مقتبل العمر، فسأل عن أصحابه ومن يسكن هناك، فعلم أنهم جاؤوا من فلسطين، فحمل عوده وغنى لها، فأبدع. يحاول بعض المقيمين تحت الزينكو البحث في ذاكرتهم إن كان الإبداع قد زارهم يوماً في المخيم ، فلا يجدون جواباً شافياً. فرؤية الزينكو والحديث عنه ليسا كالإقامة تحته. صيفاً يجلس شاب تحته ليقرأ قصة عن فلسطيني فكر بالثورة فغالبه النعاس ونام في سيارة كاديلاك، ويعتذر الراوي لأنه كتب القصة قبل انطلاقة ثورة. فيضحك الشاب ويتمتم: «ما أشبه اليوم بالأمس» ويخاف أن يشبه يومه الغد. يتصبب عرقه فيرتشف من كوب الشاي ويكمل القراءة. شتاءً تجلس فتاة في الخامسة عشرة أمام منقل أشعلت فيه فحما بغياب والدها في العمل. أمها لم تكن موجودة، فقد ذهبت لزيارة بعض أهلها في مخيم آخر، وربما في بلد آخر. تولت الفتاة دور القيادة وجمعت إخوتها للتدفئة. يتساقط المطر. يطربون لسماع نقاطه تنقر على الزينكو. يزداد الانهمار حدة، فتتسرب النقاط من فتحة صغيرة في الصفائح المعدنية، كان الوالد قد عالجها في العام الماضي. أحضر يومها صندوق فلين من سوق الخضار. كسره ثم وضعه في تنكة، ذوبه على النار فأصبح زفتاً وأغلق به الفتحة الصغيرة. لعل حرارة الصيف أتلفته. يزداد انهمار المطر حتى يصبح كوقع أقدام مجنونة. يركض أخو البنت فيحضر وعاءً يضعه تحت المياه المتساقطة، هكذا لن يغرقوا.
وللزينكو تاريخ وحكايات في المخيم، فهو النعمة بعينها بعد سنوات من الإقامة في الشوادر. في ليالي الشتاء هبت عواصف وحملت معها ألواح الزينكو، فتطورت طرق التركيب، واستعان أهل المخيم بإطارات السيارات والأحجار الكبيرة لتثبيته في مكانه. مرت السنوات وارتفعت المباني، وبقي الزينكو حاجة: مرة لبناء خيمة على سطح منزل، وأخرى لصناعة باب بديل، وثالثة ليكون سوراً هشاً لحديقة مرتجلة، حظي أهلها بأمتار قليلة زرعوا فيها فجلاً وبصلاً و..قرنفل، ورابعة لتظلل نافذة وخامسة وسادسة إلخ.
في المخيم فنان تشكيلي رسم الكاريكاتور وعلق رسومه على الجدران وكتب عليها شعار «جميع الحقوق محفوظة لجدران المخيم»، ثم جمع أقمشة وأغطية زجاجات فارغة وقطع زينكو، وراح يشكّل ويزبّط ويلون، ثم حمل لوحاته وذهب إلى حيث يعيش الإبداع، فتعجب كل من رآه وقالوا: الزينكو زينكو!!
عاش الفلسطينيون إذاً في سنوات لجوئهم الأولى بعد مرحلة الشوادر، في بيوت سقوفها من الزينكو. ويتحدث كبار السن عن الحرائق التي كانت تحدث بين الحين والآخر. وقد أخذت عملية بناء منازل من الحجر والزينكو الكثير من الوقت، حيث احتاج كل من يرغب في بناء منزل إلى تصريح. ولم تعرف المخيمات الفلسطينية المباني ذات الطوابق إلا في زمن الوجود العسكري للثورة الفلسطينية في سبعينيات القرن الماضي وثمانينياته. وما زالت هناك في بعض المخيمات أو التجمعات الفلسطينية في لبنان وفي غير لبنان منازل أسقف منازلها من صفائح الزينكو. فمخيم «جل البحر» في منطقة صور على سبيل المثال، لا يزال فيه مئة وثمانون منزلاً من أصل مائتين، سقوفها من الزينكو. والجدير بالذكر أن أهالي نهر البارد حين خسروا منازلهم بعد الحرب التي وقعت على رأسهم، عادوا مجدداً للإقامة في منازل ليست أسقفها فقط من الزينكو، بل في علب من الزينكو اسمها الباراكسات.