جان الشيخسنوات أربع مضت على استشهاد القائد أبو أنيس، والقلب يعتصر بركاناً من الدمع المجبول بالدم الحارق، يرتشف الحزن في كواكب العيون الباحثة عن شعاع الهداية إلى سبيل النهر الهادر ثورةً دائمة حتى الاستشهاد. تيتم الشيوعيون في أعياد المقاومة وذهبوا في سهاد الموت بعدما كان الموت يخشاهم، وراحوا يبحثون عن مقعد في مجالس البكوات وأمراء الدواوين وخطباء الكلمات الفارغة، والنضال تقاعد في حزب المناضلين.
حزبك يا جورج يُحتضر بعدما أعطيته روحك ودمك، يا أباً شيّع الكثيرين من الرفاق، فكنت منهم ولهم ومعهم حتى الشهادة، فأين من بقي؟
يا قائداً أبكى يوم رحيله من صمد عشرات السنين أمام سطوة الجلادين في سجون الاحتلال وعملائه؛ نعم عيونهم اعتصرت الألم، يوم غدر بك الجبناء، بعدما عصيت على أدوات الغدر سنوات طوال؛ صفّوك عندما ابتعدت عن الحزب من دون تركه.
ولم يستطيعوا سلخ جلد الحزب عن روحك؛ فصهروك فيه شهيداً آخر انضم إلى قافلة طويلة من شهداء هذا الحزب العظيم، يا من علّمنا النضال حتى الموت والاستشهاد وكما قلت يوماً فعلت؛
سأحرس عينيك من لهاث الرفاق، وأغطيهما بالحب حتى لا ترى ما حل بالرفاق وبحزبك؛ حيث دكاكين الديموقراطية تلعب في رياح قرارته، وكلّ يفتح على حسابه للأسف؛ في معارك ذليلة أكثر من ذل الخسارة، في مسرحيات القمار الانتخابية؛ عفواً يا قائد وألف عذراً حزبك دخل المزاد وليس في جيبه دولار واحد، وراح يراهن ويلعب حتى نشوة الخسارة، ساوم على معارضة ليس لها من المعارضة لا الاسم ولا حتى الفعل، هدد بحجم انتخابي وسياسي، ليس من قياسه. وقمة الجهل أنه كان يعرف النتيجة فمضى إلى انتحار سياسي وانتخابي، فشمت الجميع، حتى الرفاق؛ في جنازة النكبة، وحصدنا اللاشيء من اللاشيء!
إن كان هدفنا صفع ما يسمى المعارضة، فإننا صفعنا أنفسنا حتى بكي حيدر على صفعتنا لأنفسنا؛ إن كان هدفنا المعركة السياسية بامتياز ؛ فالصفر علامة تألقنا الفارغ؛ إن كان هدفنا إثبات وجود، فالعيب استحى من هذا الحضور الغائب.
إن كان هدفنا النضال في مزرعة الطوائف وقوانينها الطائفية، فالغرق في وحل الهزيمة حمامنا الهني، نعيماً. إن كان هدفنا استحضار النسبية الانتخابية كشكل ديموقراطي في بلد مسوس حتى العظم، فالنخر كان في قبر النسبية، نسبتنا الخجولة إلى أبد الأبدين.
احترامي وتقديري إلى كل الرفاق الذين ناضلوا وتعبوا في هذه المعركة، عتبي ليس عليهم فنحن منهم ومعهم دوماً. ذهبنا إلى عرس الاحتضار بلا دعوة، زاحفين على بطوننا كالمهزومين جوعاً، ونسينا يوم كنا العرس والعريس في كل مناسبة.
حجّمونا وهاجمونا، فصفّقنا لهم وتوسلناهم، اخترعنا لهم المقاومة وأهديناهم نصرها، دون منّة، مجاناً.
من يسمع خطابنا ومهرجاناتنا يعتقد انبعاث ماركس وثورة أكتوبر ومعارك ستالينغراد وحصار بيروت. هوبرات وهوارة فولكلورية في جنازة مجهول.
إنه الجهل في الحجم، حتى النفخ بدون هواء، والعوم بدون ماء، الرقص بدون موسيقى، والأنكى عدم الاعتراف بالخطأ، وكأن ليس من قيادة مسؤولة عن الفشل، كما النجاح!