أيام تفصل عدداً كبيراً من الأهل والأبناء عن نتائج الامتحانات السنوية الأخيرة. البعض سيشعر بالراحة وبنشوة النجاح، والبعض الآخر سيعاني الصدمة عندما تأتي النتيجة. تتفاوت أساليب الأهل في التعامل مع أبنائهم الراسبين، فمنهم يعتمد العقاب القاسي، ومنهم من يعمد إلى إدارة أمور أبنائهم بدون أي عقوبة. وإذا كان التأديب واجباً ضرورياً، فالعقوبة ليست العنصر الوحيد في العملية التربوية

زينب زعيتر
«أراه طوال النهار وهو يدرس، لا يرمي الكتاب من يده إلا وقت الطعام، أنتظر بفارغ الصبر نتيجة الامتحان الأخير، وإذا رسب فسيكون عقابه كبيراً». هكذا تبدأ مريم أ. (ربّة منزل)، حديثها عن ابنها أحمد (12 عاماً، الصف السابع الأساسي)، ثم تضيف «لا ألجأ إلى الضرب بل سأحجزه في غرفته أسبوعين كاملين مع حرمانه من مصروفه». طارق (١٤ عاماً، الصف السابع الأساسي) يعيد صفه، عندما رسب للمرة الأولى السنة الماضية لم يُعاقبه والداه، اكتفيا بتنبيهه بأنّه إذا رسب مجدداً «فسيكون عقابه وخيماً»، تقول والدة مهى إنه ولد ذكي «لكن عندما يذهب إلى الامتحان يشعر بارتباك وخوف، ولا يستطيع بالتالي التركيز، وتكون النتيجة الرسوب. حاولت أنّ أساعده مع أساتذته على تخطّي هذه الأزمة، ولكنّي شعرت أنّ هذا الوضع بات يناسبه وأنّه يتحجج بخوفه كي لا يدرس، ولا يبالي أبداً برسوبه. هذا العام لن أسمح له بالنزهات، بل سأسجّله في دورات صيفية للتقوية الدراسية».
رانيا (ربّة منزل)، تعلم جيداً مدى تعلّق ابنتها رنا (١١ عاماً) بالتلفاز وبألعاب الكمبيوتر، وتؤكّد أنها ستحرمها منهما «في حال الرسوب»، أمّا فاطمة ( إعلامية) فستمتنع عن التحدث مع ابنتها دوللي لمدة شهر واحد، إذا رسبت هذه الأخيرة.
تؤكّد الدكتورة سمر الزغبي (أستاذة في كلية التربية في الجامعة اللبنانية)، أنّه لا يمكن التهجّم على الولد، واعتباره المسؤول الوحيد عن الرسوب، فللأهل أيضاً الحصة الكبرى في هذه المسؤولية، «يجب البحث أولاً عن الأسباب التي أدت إلى الرسوب في الامتحانات، وبعدها يجري التفتيش عن الحل»، وتضيف «رسوب التلميذ في المدرسة يرجع إلى ثلاثة أسباب، الأول نفسي يتعلق بضعف ثقة التلميذ بنفسه، وانعدام التركيز داخل غرفة الدرس. أمّا الأسباب الذهنية فتتمثل في النقص في الذكاء والصعوبة في التفكير والاستنتاج. إضافةً إلى الأسباب الاجتماعية التي تتمثل بالانطواء. دون أن ننسى أنّ المدرسة قد تكون السبب في رسوب التلميذ، إذا كان التنظيم الإداري فيها غير جيد، أو أن أفراد الكادر التعليمي غير قادرين على تقديم طريقة التعليم الأمثل».
الأستاذة في كلية التربية في الجامعة اليسوعية الدكتورة كارلا أبي زيد تلفت إلى أن العقاب نوعان «الأول مادي كالضرب والحرمان من اللعب أو الطعام لفترة مؤقتة، والثاني معنوي يكون بالتأنيب أو الصراخ. في بعض الأحيان ينفع العقاب ويؤدي إلى النجاح، وذلك عندما يهمل الولد دروسه عن قصد. أمّا إذا عانى إعاقة ذهنية أو جسدية وصعوبات تعليمية فالعقاب لن ينفع».
تقول أبي زيد «ثلاث مراحل تسبق العقاب وهي عبارة عن قواعد تضمن السلامة النفسية للولد الراسب: أولاً، يجب أن يكون هناك قانون في المنزل يضعه الأهل، ويُحدد من خلاله إذا كان الهدف من الدراسة أن يحقق أعلى العلامات ويدخل بعدها إلى الجامعة، أم المطلوب منه فقط أن يعرف القراءة والكتابة. وفي حال الرسوب تكون المرحلة الثانية، يبحث الأهل عن أسباب هذا الرسوب، وإذا كان سببه الإهمال من التلميذ، تكون المرحلة الثالثة بأنّ يقرر الأهل نوع العقاب ويفسّروا لابنهم لماذا سيعاقبونه. العقاب يكون إمّا بالتأنيب والتوبيخ، أو الحرمان من شيء يحبّه الولد، أما الضرب فهو غير مستحب».
للعقاب إذاً نتائج إيجابية وسلبية، تعدد الزغبي مساوئه فتقول إنه «يؤدي بالدرجة الأولى إلى تقدير سيئ ومنخفض للذات من التلميذ، مما يجعله يفقد الثقة بنفسه وتضعف شخصيته، ويسيطر بالتالي الخوف على حياته، حتّى أنّه في المستقبل قد لا يقوم بأي عمل إلا بعد أن يتعرض للعقاب. التسرب المدرسي يصبح أيضاً نتيجة للعقاب، حيث يشعر الولد أن المدرسة أشبه بالسجن. من شأن العقاب أن يحوّل سلوك الولد إلى سلوك عدواني»، وأخيراً تلفت الزغبي «قد يتحول الابن في المستقبل إلى أب أو أم يتبعان طريقة العقاب نفسها التي كان يستخدمها الأهل في المراحل السابقة».
أمّا أبي زيد فتعدد إيجابيات العقاب، وتقول «إذا كان مرفقاً بتفسير، فإن الولد يفهم المسؤولية التي يجب تنفيذها، أي النجاح كي لا يتكرر العقاب ويرضى الأهل. العقاب يجعل الولد يعرف أن ثمة قوانين في المنزل والمدرسة يجب اتباعها. يؤدّي هذا الأمر إلى تحويل الولد عندما يكبر إلى شخص قادر على ضبط النفس واحترام القوانين في المجتمع، كما كان يحترم القوانين في منزله». وتشدد أبي زيد على «أنّ العقاب يجب أن ينفذ، أي يجب أن يطبقه الولد عند إعلان الأهل».


التدعيم الإيجابي

تؤكّد سمر الزغبي «الحل يكون بالحزم والتدعيم الإيجابي، أي تحفيز الولد على المتابعة والاستمرار والجهد في الدراسة. التدعيم الإيجابي يكون بأن يُشعر الأهل ابنهم بأنّه في حاجة إلى قليل من الجهد والدراسة لكي ينجح، وأنّه لا يختلف أبداً عن بقية الأولاد الناجحين في المدرسة. التدعيم الإيجابي يعني أيضاً الإرشاد الذي يتبعه الأهل في عملية التربية المعتمدة داخل المنزل، والتي تساعد الابن على أن يفهم ذاته ويدرس شخصيته، ويعمل الأهل والأبناء سوياً على حل مشاكل الرسوب وغيرها وتحقيق مستوى جيد في المدرسة. التدعيم والتحفيز الإيجابي سلوك من شأنه أن يجعل الولد يشعر بتقدير لذاته، وهذا التدعيم يساعد على إيجاد شخصية جديدة للولد مبنية على أساس من التصرف والسلوك الإيجابي في المدرسة والمنزل والمجتمع»