مش كلمة بالتم». فمجرّد التلميح إلى احتمال منع بعض الدول رعاياها من التوجّه إلى السعودية للحج أو حتى العمرة، يصيب بالهلع حجاجاً محتملين، ويستدعي إلغاء حجوزاتهم لمخاطر يرونها باجتماع عدد هائل من مواطني البلدان الموبوءة بأنفلونزا الخنازير في مكان واحدمنهال الأمين
أثار إعلان اكتشاف إصابات بفيروس «أش وان أن وان» أو أنفلونزا الخنازير في السعودية، لا سيما في مكة والمدينة المنورة، حالاً من القلق بين المواطنين الراغبين بأداء الحج أو العمرة هذا العام، مدفوعين بتصريحات بعض العلماء. ولكن هل هذا القلق في محله؟ معظم المترددين يستندون إلى «التخويف المتبادل»، مع أن المخاوف العلمية ليست قليلة: فقد تكفي إصابة واحدة لعدوى الملايين من الحجاج الموجودين في مكان واحد. ويعترف عدد من منظّمي رحلات الحج بحالات عزوف عن التوجه إلى العمرة، وموعدها منتصف تموز المقبل. كما أكد عدد كبير بينهم، أن نسبة الطلبات انخفضت للنصف عما كانت عليه العام الماضي. أما بالنسبة للحج، فإن الأمن العام حدد مهلة تقديم طلبات الحجاج لهذا العام إلى هيئة شؤون الحج بين 15 حزيران و15 آب، وما زال الوقت مبكراً للحكم على ما إذا كانت نسبة الحجاج ستتأثر بـ«رهاب الأنفلونزا»، مقارنة بنسبة المعتمرين.
هكذا، يؤكد محمد ياسين أنه مقابل 100 طلب عمرة تقدم بها مواطنون من مكتب حملته العام الماضي، هناك خمسون طلباً فقط لهذا العام. إضافة إلى أن وتيرة تسجيل طلبات الحجاج، تكون عادة في الأسبوع الأول من مهلة التسجيل كل عام من 50 إلى 60 طلباً فيما لم تتجاوز حالياً 20 طلباً. ويسجّل بسام أبو زيد، صاحب وكالة سفريات في صيدا، معتمد من عدد كبير من الحملات لتأمين الحجوزات، تخوّف المواطنين من موضوع الأنفلونزا، وخصوصاً بعد الحديث عن إصابات في مكة والمدينة المنورة. فالعام الماضي كان المعدل بين 1000 و1500 اسم، فيما هو لا يتجاوز العام من 600 إلى 700 فقط.
وإذا ما طُبّق قرار منع تسيير حملات عمرة عبر البر، فإن هذا سيكون سبباً إضافياً لعدول البعض عن تسجيل أسمائهم لدى وكالات السفر، نظراً للفارق المادي بين الرحلتين. فتكاليف الرحلة براً هو 400 دولار أميركي، فيما تبلغ الكلفة جواً 600 دولار أميركي. ولذلك، طمأن أبو زيد إلى إجراءات السلامة العامة التي يخضع لها المعتمرون والحجاج، سواء هنا في لبنان، من خلال إلزامية «التطعيم»، أو في مطار جدة عبر الإجراءات المتشددة التي تتخذها السلطات السعودية.
وفي ما يخص الطعم للحمى الشوكية، وهو الطعم الاعتيادي كل عام ويلزم به كل حاج عند تقديم طلبه، فإنه مؤمَّن مجاناً عبر وزارة الصحة، سواء في مطار بيروت، أو في المناطق. لكن يسجل أن هذا العام أُضيف طعم الأنفلونزا البشرية (vaxi- grip)، وسعره 12 ألف ليرة لبنانية ومتوافر في الصيدليات كلها. لكن كل هذه الإجراءات، على ما يبدو، لم تكن كافية، لتطمين المواطنين، وخصوصاً مع سماع البعض فتوى علي جمعة شيخ الأزهر باحتمال تأجيل العمرة، ومنهم من عدل فعلياً «لكونها غير واجبة بل مستحبة» كما تقول حسانة نعمة التي اشتكت من عدم استطاعة عدد من الحجاج تحصيل طعم الحمى الشوكية بعدما توجهوا من الجنوب إلى المطار، حيث أُبلغوا بأن وزارة الصحة أمّنت الطعم في كل المناطق، ولكن هذا ما لم يكن متوافراً حتى أيام خلت، في الوقت الذي أكد فيه أبو زيد أنه متوافر في صيدا والجنوب.
كذلك، تحدثت نعمة عن بيع الطعم في السوق السوداء بما يزيد عن 70 ألف ليرة. وهو ما نفاه عدد كبير من أصحاب الحملات ووكالات السفر، مشددين على الحجاج للتبليغ عن أي محاولة استغلال لهذا الأمر، لا سيما أن الطعم «مجاني وغير مقطوع فعلام الاستغلال؟».
«دخيلك بعد ناقصنا الخنازير»، تقول أم علي داوود للمسؤول عن حملة حسنين الخليل، بعدما أبلغته أنها تلغي حجزها للعمرة. وعلّلت أم علي قرارها بالتخوف المتزايد بين معارفها من خطر التعرض للأنفلونزا في مكة.
إلا أن الخليل، لم يستبعد أن يكون وراء انخفاض عدد المقبلين على العمرة أو الحج أيضاً، عامل اقتصادي، وخصوصاً أن الأزمة العالمية المالية انعكست ارتفاعاً في التكاليف التي يتكبدها منظمو رحلات الحج والعمرة، لناحية البيوت والفنادق والخيم والتنقلات والطعام داخل المملكة وغير ذلك من مستلزمات، ما اضطرهم لرفع البدل الذي يستوفونه من كل حاج أو معتمر بنسبة قد تصل إلى 10% بحسب درجة الرحلة.
إلا أن سليمان شمص يرى أنه لا الوضع الاقتصادي ولا الأنفلونزا سيؤثران على عدد الحجاج أو المعتمرين هذا العام، فالعامل الوحيد برأيه المؤثر هو خفض «الكوتا» المحددة للبنان إلى النصف (2000 للسنة و2000 للشيعة و1000 للاجئين الفلسطينيين)، متوقعاً أن تساهم الأجواء السياسية الهادئة في رفع عدد المقبولين، كما جرت العادة كل عام. كما اعتبر شمص أن هناك تضخيماً لموضوع الأنفلونزا «سرعان ما سيتبدد، لا سيما أن كل شيء يشير إلى أن هناك موسم حج مقبلاً، إن لجهة استعداد الحملات، أو لجهة إجراءات السلطات السعودية، التي ينبغي عليها أن تتخذ احتياطاتها للسيطرة على الحالات المكتشفة على أراضيها لتأمين سلامة الحجاج الوافدين».
«التضخيم» يوافق على نظريته أيضاً رئيس قسم الحجر الصحي في مطار بيروت د. ناصر شاهين الذي دعا المواطنين إلى عدم الأخذ بالشائعات، لا سيما أن «أي زكام عادي قد يؤدي إلى مضاعفات أكبر من أنفلونزا الخنازير، لذا لا داعي للهلع» كما قال لـ«الأخبار»، لافتاً إلى أن المئات من الحجاج والمعتمرين يحضرون إلى المطار يومياً للحصول على طعم الحمى الشوكية (السحايا) «وهو طعم ضروري مثل طعم الأنفلونزا البشرية، وإن كانا مجرد عمل وقائي». ولفت شاهين إلى التنسيق الدائم بين منظمة الصحة العالمية والسلطات في كل الدول في المطارات والموانئ والمعابر الحدودية. أما د. أليسار راضي، منسقة البرامج الوطنية في مكتب منظمة الصحة العالمية في بيروت، فقد نفت أن تكون منظمتها قد أوصت بعدم التوجه إلى الحج أو العمرة، فكل ما فعلته هو تشديدها على إجراءات الوقاية مثل «استعمال المنديل لدى السعال أو العطس، التنظيف بالماء والصابون أوالسبيرتو، تجنب الاكتظاظ، إضافة إلى تلقي الطعوم المطلوبة، لا سيما أنه لا لقاح خاصاً بفيروس «أش وان ان وان»، وهذه إجراءات تعتمدها المنظمة لأي مرض معد».
أما المدير العام لوزارة الصحة د. وليد عمار فقد شدد لـ«الأخبار» على «شفافية الوزارة في التعاطي مع الموضوع، لا مجرد كلام للتطمين»، متوقّعاً إجراءات سعودية وقائية تجاه الوافدين من المناطق الموبوءة «وعلى خط العودة ستكون الإجراءات كفيلة بكشف أي حالة جديدة كما يحصل حالياً».
وكان علينا السؤال في النهاية عن الرأي الديني، هكذا أجابنا الباحث الإسلامي سامي خضرا بالدعوة إلى عدم التسرّع و«التثبّت من رأي الجهات العلمية التي ترى في ما يشاع عن المرض تهويلاً في غير محله». ولكن من هي المرجعية الدينية التي يعود إليها أمر البت في هذا الأمر إذا تفاقم الوضع؟ «الجواب ليس سهلاً»، يقول.


تنشط وكالات السفر حالياً لاستقبال طلبات المواطنين الذين يقصدون مكة لتأدية العمرة «المستحبة» خلال الأشهر القمرية، رجب وشعبان ورمضان. ويتخوّف أصحاب حملات الحج من الانعكاسات «الكارثية» المحتملة عليهم، لأي «تلاعب بهذين الموسمين» قد تسببه الشائعات المتداولة حالياً بشأن مخاطر أنفلونزا الخنازير، نظراً للتكاليف الباهظة والمقدّرة بمئات آلاف الدولارات التي يدفعها هؤلاء مسبقاً، لحجز الفنادق والبيوت والخيم في مكة والمدينة المنوّرة. إضافة إلى خسائر إضافية، إذا ما مُنع تسيير رحلات بالبر (للعمرة فقط فالحج مُنع منذ سنوات). لذا فالترقب سيد الموقف بالنسبة لكثيرين منهم، بدأوا يستشعرون ضرراً كبيراً في موسم العمرة. ونفى مدير هيئة شؤون الحج بالتكليف إبراهيم عيتاني منع الرحلات البرية للعمرة، نظراً لوجود إجراءات كشف الإصابة على المعابر الحدودية مماثلة لتلك المتبعة في المطارات، مشيراً إلى وجود 15 ألف شخص أدوا العمرة لهذا
العام.