قاسم س. قاسمتشابكت أيدي المسنات والمسنين الفلسطينيين أمس على مسرح الأونيسكو. أدوا دبكتهم التراثية الأصلية ضمن نشاطات «القدس عاصمة الثقافة العربية»، فعادوا كما في صُوَر الصِّبا لهنيهة. أشعلت «خبطة قدمهن»، التي بدت بكامل قوتها مشاعر الموجودين الذين وقفوا ليغنوا معهم «يا حلالي ويا مالي». تمايلت النسوة بخجل من مضى زمن على تمايلهن. أحد الكهول حمل سيفه ووضعه على كتفه، ثم لوّح به في الهواء. استبدت به الحماسة فنزل عن المسرح، ورقص بين الناس فوقفوا له مصفقين. تُفلت إحدى «الراقصات» يد شريكها لتغرد رقصاً خارج سرب زملائها، للحظة يختفي وزن الزمن فتبدو بخفة مراهقة. تترك فرقة الكهول التي افتتحت مسابقة الرقص التراثي الفلسطيني المسرح، فرقصتهم كانت «تكريمية لهم ولمجهودهم بنقل التراث الفلسطيني وحفظه» كما قالت عرّيفة الحفل. لحظات، وتبدأ المنافسة بين 6 فرق. المنافسة حامية لأن الجائزة هي ما يحلم به أي فلسطيني في الشتات: الرقص في فلسطين، تحديداً في رام الله. دفعت الجائزة الحلم بالجميع لإعطاء أفضل ما عندهم. دقائق، وتعتلي فرقة جفرا خشبة الأونيسكو لترقص على أنغام «يا زارعين السمسم» الفلسطينية. تهادت الفتيات، تغنجن بزيّهن التراثي أمام الشباب الذين شاركوهن الرقص. أنهت «جفرا» وصلتها لتعتلي «الكوفية» المسرح، رقصت الفرقة على وقع «يا واردة ع النبع» وبعض أغاني الثورة الفلسطينية. جسّد الراقصون بلوحاتهم حياة الفلاح الفلسطيني، من بذر الرجال لحبوب القمح، إلى حصادها ومجيء النسوة لإيصال الغداء وتعبئة جرار المياه. شدت هذه اللوحات الموجودين، فارتفعت زغاريد النسوة وتصفيق الشباب. وفي مؤخرة القاعة جلس محمد شبايطة وبكى، عندما تصاعدت انغام أغنية «هزّ الرمح بعود الزين/ وانتو يا نشامى منين/ إحنا شبابك فلسطين/ والنعم والنعمتين». «شوف فلسطين إيش طلعت» يبرر الرجل الخمسيني بكاءه، ثم يمسح دمعه، ويقف ليصفق لفرقة السنابل «هادي الفرقة بترقص الشعراوية (نوع من الدبكات الفلسطينية) منيح». تعتلي الفرقة المسرح، لتدبك على أنغام الناي والقربة. تنتهي الفرق عروضها. ينتظر المشاركون إعلان لجنة التحكيم المؤلفة من رويدا الغالي وماري قعوار ونعمة بدوي وسامية صعب، للنتائج. خلال الانتظار يعتلي أمين سر حركة فتح في لبنان سلطان أبو العينين المنصة ليسلم الشهادات للمشاركين. ويقول لـ«الأخبار» إنّ «نشاط اليوم هو رسالة لمن قال إن الكبار سيموتون والصغار سينسون، وها هم كبارنا وصغارنا يرقصون معاً». يقترب أحد أعضاء لجنة التحكيم، نعمة بدوي، ليفتي بإلغاء المرتبة السادسة والرابعة والثانية وليعلن أن من فاز في المركز الأول فرقتا «بيت أطفال الصمود» و«الكوفية».
«رايحين نرقص بفلسطين رايحين نشوف ضريح أبو عمّار»، صرخت باكية مدربة الرقص في فرقة الكوفية الفائزة. أمسكت المدربة بكوفيتها، ركعت على مسرح الأونيسكو وبدأت بتقبيلها. فرقتان من اللاجئين حظيتا بفرصة رؤية فلسطين. أما الباقون فقد انهالوا عليهم بتوصيتهم بإحضار «شوية تراب، وكوفية».


جوائز للمثابرة

في انتظار بدء عروض الفرق المتنافسة، وقف طفلان بزيّهما التراثي بين المسرح ولجنة التحكيم. لم يزعج وجودهما اللجنة، وسرعان ما نسيتهما. عدّل الأصغر حجماً «الحطّة والعقال» على رأسه الصغير، بينما حمل الثاني محرمة بيده ليقلد من يرقص «ع الأول». وما إن بدأ «الدبّيكة» بأداء خطواتهم، حتى تسمّر نظرهما على حركة أقدام الراقصين في محاولة لحفظها وتقليدها. لكنهما لم ينجحا بتقليد الحركات السريعة، فتعثر أحدهما وسقط، مرة بعد مرة، ما انتزع من لجنة التحكيم ابتسامة تشجيعية. لكن رقص الثنائي لم يتوقف طوال الحفلة التي امتدت لثلاث ساعات، ما دفع الحضور إلى القول: «هدول الولدين لازم يطلعلهم هدية».