دقّ مكتب مكافحة المخدرات ناقوس الخطر أمس. كبر رقم متعاطي المخدرات. لكن، وفي مواجهة الهواجس الأمنية، تنتصب هواجس مزارعي الممنوعات. لا يؤمنون بالزراعات الأخرى. يعلنون: «ضُرب الموسم هذا العام»
عفيف دياب ــ نقولا أبو رجيلي
أطلق رئيس مكتب مكافحة المخدرات في الشرطة القضائية، العقيد عادل مشموشي، قنبلةً ثقيلة أمس، فقد أعلن خلال لقاء عقد في وزارة الداخلية أن نسبة استهلاك لبنان من مادة الكوكايين المستوردة تبلغ 5 كيلوغرامات يومياً. وأوضح أن نسبة الإدمان في تفاقم مستمر. ولاقاه في ذلك الأب هادي عيّا (جمعية عدل ورحمة)، الذي يعمل ضمن برنامج معالجة المدمنين، داخل السجن المركزي في رومية، فذكر أن 17% من السجناء الذين أدخلوا أخيراً إلى السجن يعانون الإدمان على المخدرات. ورغم شكوى العقيد مشموشي، من نقصٍ في تجهيزات الشرطة القضائية في مكافحة المخدرات المستوردة، فإن مسؤولاً أمنياً رفيعاً في البقاع، أكد لـ«الأخبار» أن ذلك لا ينطبق تماماً مع مكافحة المخدرات المنتجة محلياً، إذ «إن مكتب مكافحة المخدرات أتلف خلال شهر أيار الماضي حوالى 200 دونم كانت مزروعة بنبتة الأفيون المخدرة (الخشخاش) في مناطق الهرمل ورأس بعلبك؛ موضحاً أن المساحة التي رصدت في العام الفائت لم تتلف بسبب الظروف الأمنية، علماً بأنها قدرت بنحو 75 ألف دونم و«هذا ما مكّن المزارعين من جني محاصيلهم وبيع إنتاجهم إلى تجار ومصنعين». وأشار المسؤول الأمني إلى أن القوى الأمنية والعسكرية تمكّنت من توقيف عدد من الأشخاص، بجرائم مختلفة خلال الحملة الأمنية التي نفذت نهاية العام الماضي، وطيلة الفترة الممتدة حتى شهر حزيران الجاري، و«لم نفرّق بين تاجر كبير أو صغير، ولم نتلف مساحات صغيرة لأناس فقراء وتركنا مساحات الأغنياء. لا تمييز في هذا الأمر بين شخص وآخر». ووفقاً للمسؤول المتابع، فإن عدد الموقوفين بجرائم الاتجار بالمخدرات والترويج والتعاطي «بلغ خلال العام الماضي، وفي النصف الأول من هذا العام، أكثر من 900 شخص، بمعدل يتراوح بين 45 و50 موقوفاً يومياً، أحيلوا جميعهم إلى القضاء المختص، كذلك تم ضبط كميات من مختلف أنواع المخدرات خلال عمليات دهم في مناطق دير الأحمر وحزين والكنيسة ودار الواسعة، حيث تمت مصادرة وضبط حوالى 18 طناً من الحشيشة كانت في مراحل متقدمة من تصنيعها، بالإضافة إلى مصادرة 10 أطنان من بذرة الحشيشة، كذلك تمكنت القوى الأمنية من مصادرة وإحراق نحو 15 طناً من المخدرات على أنواعها، من بينها حوالى 30 ألف حبة مخدرة من نوع «كبتاغون» وجدت في منزل أحد أبرز المطلوبين في بلدة الكنَيسة. وأوضح مصدر أمني رسمي في البقاع أن أهم عوامل تراجع المساحات المزروعة بالممنوعات «لا يعود فقط إلى الحملة الأمنية الواسعة، بل إلى تكدس إنتاج عامي 2007 و2008 وعدم تمكن المزارعين والتجار من تصريف الإنتاج في الأسواق المحلية والخارجية».
لا يبدو البقاعيون راضين عن عمليات الدهم، التي تقوم بها القوى الأمنية. هناك، وفي أحد السهول، لم يتعب الحاج علي (56 عاماً)، كما عرّف عن نفسه، من زراعة حشيشة الكيف، رغم أن السلطات الأمنية أتلفت زرعه أكثر من مرة على مدى السنوات الست الماضية. يعرف جيداً أن تلك الزراعة ممنوعة، لكنه يستمر في دسّ بذورها داخل أحشاء أرضه. «ليس نكاية بالدولة أو بالأجهزة الامنية»، بل لأنه لا يجد زراعة تعطيه مردوداً «مقبولاً». لا يطلب الرجل الخمسيني الكثير، فيقول بصراحةٍ بالغة، «أنا أزرع لأنني أريد أن أحصد إنتاجي وأبيعه، وما من زراعة أخرى مربحة كزراعة الحشيشة». يفتح اعتراف الحاج علي بزراعة الممنوعات الباب واسعاً أمام أسئلة، قد تكون متراكمة منذ العهد الروماني، لكن لا تجد لها مدينة بعلبك جواباً واحداً. السؤال البديهي نفسه، الذي يتكرر موسمياً، مع كل يوم عالمي لمكافحة المخدرات، لماذا يزرع أهل أرض بلاد بعلبك ـــــ الهرمل الشاسعة الممنوعات؟ يأتي الجواب التقليدي نفسه على شفة أي مواطن من المنطقة ولسانه: «الحرمان المزمن، ولا زراعات بديلة تعطي مردوداً مالياً مثل المخدرات». وأكد أكثر من مزراع، ممن التقتهم «الأخبار»، أن المتابعة الأمنية تقتصر على صغار المزارعين وحتّى المروجين، فيما يبقى الكبار خارج قفص العدالة. «تستهدف حملات الدولة الأمنية صغار المزارعين أمام عدسات الكاميرات، فيما تترك الأقوياء يزرعون ويبيعون على عينك يا تاجر»، يقول أحدهم ساخطاً، ويضيف إنه لم يزرع هذه السنة حشيشة و«السنة الماضية أتلفوا 5 دونمات كنت قد زرعتها بالحشيشة في سهل الضيعة». ويتابع بصوت متهدج «زرعت السنة بطيخ ورح اخسر». البطيخ ليس مربحاً. يؤيده في ذلك كثيرون، من منطقة البقاع الشمالي. تفتقد مساحات كبيرة من بعلبك، هذا العام، إلى الحشيشة. باتت مزروعة بالخضار والحبوب. ورغم إيجابية الأمر من الناحية القانونية، فإن ذلك لم يحصل بطيب خاطر الأهالي هناك، الذين يشكون صعوبة تصريف محاصيلهم. تختلف همومهم عن هموم القوى الأمنية. أحمد هو أحد هؤلاء. يقف في أحد سهول شمسطار، ويشير بيده إلى أحد السهول البقاعية الدافئة. يعزو سبب انحسار الممنوعات إلى «الحملات الأمنية القاسية؛ مرجّحاً «بقاء زراعة الحشيشة والأفيون في الجرود العالية التي لا تطالها الدولة»، ويستطرد: «كل المعتّرين خايفين».