نظّم مركز الخيام ورشة عمل أمس، عن وضع السجون اللبنانية. لم تتحسّن أحوال السجون هنا إلى حدّ أن تلائم ظروفها المعايير الحقوقية الدولية
أحمد محسن
دخل النواب ساحة البرلمان أمس. تناقشوا في الأمور الروتينية ذاتها. لم ينتبهوا إلى أن اليوم الذي يلي جلستهم الأولى، هو اليوم العالمي لمساعدة ضحايا التعذيب، وما أكثرهم في لبنان. وإذا استُثني العدد الكبير من ضحايا الحروب المتعاقبة، فلا يمكن التغاضي عن «ضحايا» 20 سجناً في لبنان. 20 مكاناً لاحتجاز الحرية، لن تدخلها الشمس اليوم، مثل أي يومٍ آخر. تنبّه مركز الخيام لتأهيل ضحايا التعذيب للذكرى، ويمكن اعتبار الحوار الذي أطلقه أمس، بالتعاون مع جمعيات حقوقية لبنانية وعربية، باباً ضيقاً، يلقي بعض الضوء على أوضاع السجون اللبنانية، ومحاولةً لتكوين آلية وقائية وطنية، تنأى بالسجناء عن آلام التعذيب. وقد ذكر رئيس المركز، محمد صفا، أن الموقوفين داخل السجون من غير المحكومين هم ثلثا المساجين، على عكس ما يجري في العالم أجمع، من دون أن يفُت المركز عرض أحوال السجون، ومعذَّبيها.
يقع سجن تبنين مثلاً، ضمن مبنى سرايا تبنين، في وسط البلدة الجنوبية (قضاء بنت جبيل). بالحديث عن البلدة الجنوبية، لا يسع الذاكرة إلا الذهاب نحو معتقلات الموت في الخيام وأنصار، التي أنشأها الاحتلال الإسرائيلي، والتي لا تختلف بشيء عن غرف الموت في أوشفيتز النازية. لكن تأهيل الضحايا مختلف. هنا في لبنان، وعد وزير المالية، في أواخر شباط الفائت، بأن تعويضات الأسرى ستدفع كاملةً في نيسان 2009، لكنه عاد ومدّد المهلة إلى ما بعد الفحوص الصحية، ما يبدو أنه تملّص، وتمديد إلى ما شاء الله. هذا عن ضحايا معتقلات العدو، فكيف الحال إذاً مع السجون الرسمية؟ يضم مبنى سجن تبنين عدداً من المكاتب، ونادياً ترفيهياً وكافتيريا للعموم. ترتطم تلك الأماكن بعيون السجناء، ومن شأنها على الأرجح، أن تضع ثقلاً هائلاً على صدورهم. وفي الجنوب أيضاً، في صور، يقع السجن في الطابق الأرضي لمبنى السرايا الحكومية. يضج السوق الشعبي بقربه وتستريح شباك الصيادين. تتلاطم أمواج البحر بالقرب من السجناء، ويصلهم ضجيج المتسوّقين، كإنذارٍ يسرق أنفاسهم منهم. يقبعون هناك، 75 سجيناً في ست زنازين، اضمحلت جدرانها نتيجة انعدام الضوء. ليسوا معزولين تماماً. يستطيع زوّار الطوابق العليا، حيث تقع مكاتب الأمن العام، ودوائر النفوس، أن يشاهدوهم، وأن يشاهدوا تعذيبهم. لا تختلف الأمور كثيراً في زحلة. لم يعد مركز البلدية مناسباً، فقد حوِّل إلى سجن. 200 متر فقط، مقسمة على غرف خمس. يعج السجن بالبشر، الذين يدخلونه بغرض الإصلاح، وتتقلّص قاماتهم بعد الخروج منه. يرتفع 1150 متراً عن سطح البحر، ولم تنشئ إدارة السجن نظام تدفئة هناك. ينالون التعذيب المشبّع بالثلج، عوضاً عن الإصلاح. أما السجن المركزي في رومية، فحكاية أخرى. يقطن به 3200 ضيف ثقيل. تخترق زحمته نوافذ المباني العملاقة، علماً بأنه لا يتسع لأكثر من ألف منهم. تمرّدوا مراراً. 5 مرات بين عامي 2007 و2008، وخلال عام 2007 فقط، توفي 20 منهم داخل السجن «معذّبين»، مقصوداً كان تعذيبهم أو لم يكن. فالمادة الأولى، من اتفاقية مناهضة التعذيب، التي وقّعتها الحكومة اللبنانية، تؤكد أن «التعذيب» هو أي عمل ينتج منه ألم أو عذاب شديد جسدياً كان أو عقلياً، يلحق عمداً بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه.
في 22 كانون الأول 2008، وقعت الحكومة اللبنانية البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب الأممية، ولا يزال معظم السجناء يتعذبون. في 25 حزيران 2009 (أمس) دخل النواب إلى برلمان جديد، ولم تتغيّر أغلب الوجوه. في هذه الضوضاء، سؤال وحيد يسأله ضحايا التعذيب للمسؤولين: متى ينتهي هذا الإهمال المؤلم؟