النبطية ــ مايا ياغيهي كزدورة السبت، الحدث المعروف في النبطية، والطقس الذي أصبح يحتل قائمة الأولويات في روتين شباب المنطقة.
يميزّها تقليع وتخميس وأنواع التشفيط كلها، مزاح وضحك وكثير من الاندفاع تسبّب جميعها انزعاج البلدية وقوى الأمن، إلا أن الشباب يصرّون عليها لتبقى كزدورة السبت سمة تميّز مدينة النبطية وتجعلها قبلة الشباب المقيمين في القرى المحيطة.
سيارات متلاصقة من الأنواع والموديلات كلها، وموكب كرنفاليّ على نغمات موسيقى هادئة... أو صاخبة. صبايا وشباب، نظرات وغمزات وأكثر. هي الحياة. تعودُ إلى النبطية مجدداً مع وفود أبنائها من بيروت ومن القرى المجاورة لتأدية واجب الكزدورة نهار السبت. كزدورة تبدأ نحو الرابعة عصراً وتستمر حتى العاشرة مساءً، تدور على الطريق العام بين تمثال حسن كامل الصباح وطريق مرجعيون، بعد أن يكون أفراد «الشلل» قد جمعوا بعضهم بعضاً عبر الرسائل الهاتفية، من صور وصيدا وبيروت ومناطق أخرى.
بدأت الكزدورة تترسّخ منذ عام 1996. «كانت في السابق، تجري سيراً على الأقدام، وترافقها تجمعات للشباب هنا وهناك، بيد أنها سرعان ما تحولت إلى موكب للسيارات يسير ببطء شديد، ومن دخل النبطية مصادفة «علق»، يقول محمد جابر.
أما ميلاد غندور، فيؤكد «بس تعجق منيح بدك أكثر من ساعة ونص حتى تتمكن من تجاوز الشارع، الذي لا تتجاوز مسافته الكيلومتر الواحد. واللافت في الأمر أن لا أحد يستخدم الزمور! يعني الشباب آخر رواق، وطبعاً بوجود الصبايا بتحلا الكزدورة!»، بينما يعبّر صديقه أحمد مقلّد عن انزعاجه من تأخر الصبايا بالنزلة، وأكثر ما يغضبه «تلك التي تغلق شبابيك سيارتها القاتمة أصلاً!»
لا تنتهي الكزدورة عند العاشرة مساءً، بل تنتقل لتأخذ شكلاً ومكاناً آخر. فالتجمّع يكون في «to tango» أو «دجاج وثوم»، وهو موعد أصبح معروفاً وأكيداً لدى جميع المشاركين.
ورغم أن علي زهور، من يحمر الشقيف، يرى في الكزدورة «مضيعة للوقت وتشبيحاً وتشفيطاً وتلطيشاً للصبايا» فإنه يصرّ على المشاركة فيها بهدف التسلية. فكزدورة السبت أصبحت من أولويات اهتمام «شباب النبطية». يعلّق علي جميل من النبطية ممازحاً: «حتى في حرب تموز لم يستغنوا عنها، نقلوها معهم إلى مدينة عاليه وشوارع فردان والروشة»، مضيفاً: «مهما كانت الظروف، الكزدورة قائمة صيفاً وشتاءً، حتى لو اضطروا إلى أن يحملوا شمسية». إلا أن إصرار الشباب تقابله معارضة البلدية وبعض السكان نظراً إلى ما تسبّبه هذه الكزدورة للأهالي من زحمة سير وتعطيل لأعمالهم وإقلاق لراحتهم. «جيل اليوم ما في منو يا عمّي! لا مسؤولية ولا وعي ولا من يحزنون»، يقول «الخال أبو أحمد» كما يناديه البعض متحسراً، ليضيف: «كل سبت على هذه الحال، لف ودوران على الفاضي، تضييع وقت وتعطيل لشغل الناس، وبيقولوا الشعب جوعان؟ الشعب فقير؟ آخ من اللبنانيين شو بيحبوا المظاهر. ويا عيني عا جيل الغد الواعد!».


كلفة الكزدورة عالية

«ولو وصل سعر صفيحة البنزين إلى مئة ألف ليرة، يستحيل أن تنتهي الكزدورة، علماً بأن معظم الشباب يعتمدون على أهلهم في المصروف»، كما يقول محمد حسين. أمّا علاء الصبوري، فينبّه «معظم الشباب هنا بلا عمل، لكن بيحبّوا الوجهنة. غالبية سياراتهم مستأجرة أو مستعارة».
فللكزدورة طقوس مرافقة وتكلفة لا يستهان بها تستلزم ادّخار المصروف طوال الأسبوع كما يشرح علاء: «يبدأ الإعداد لها صباحاً بغسل السيارة بخمسة آلاف ليرة، وألفين كوميسيون للشغيل، في الحد الأدنى. وبدك حوالى عشرين ألف ليرة بنزين، علبتين عصير، ونرجيلة. بعدها، تعود إلى البيت، من دون ولا ليرة، بل أحيانا مديوناً». خلال الحديث مع علاء، تنهال المداخلات ويعقّب أحدهم: «المموّل الرئيس للمشروع هو محطة الصبّوري للبنزين، تحت رعاية أحمد زكريا عبد الله الملقّب بزكور، وهو ابن صاحب معرض السيارات وملك الكزدورة، إذ إنه يستخدم كل سبت سيارة جديدة يعرض ميزاتها، ولا تنتهي الكزدورة بالنسبة إليه إلّا ببيعها».