في مواجهةالاحتلال الإسرائيلي وحصاره للشعب الفلسطيني ومصادرة أراضيه لمنعه من استغلالها، برزت في السنوات الماضية مشاريع فلسطينية تهدف إلى تطوير سياسات تنموية مستدامة ترتكز على الزراعة الدائمة
في فلسطين المحتلة، وسط التدمير الممنهج للأرض والبشر والزراعة من قبل الكيان الصهيوني، لجأت الجمعيات الفلسطينية إلى محاولة تعزيز صمود المزارعين الفلسطينيين من خلال إطلاق مبادرات تعتمد على «الزراعة الدائمة» والاكتفاء الذاتي رداً على سياسات الاحتلال. وتمثل الزراعة الدائمة نهجاً لتصميم نظم زراعية مستدامة وإعادة هيكلة القطاع الزراعي ليتلاءم مع الموارد الطبيعية المتاحة، بهدف الحدّ من الاعتماد على النّظم الصناعية للإنتاج والتوزيع التي تسهم في تدمير النّظم الإيكولوجية للأرض إسهاماً أساسياً ومنتظماً.
طُوِّر هذا المفهوم للمرة الأولى في السبعينيات من القرن الماضي، بالتزامن مع طرح موضوع الإنتاج الغذائي المستدام، وتحديداً مع إدراك البشر أنهم إذا ما أرادوا إطعام أنفسهم باستدامة، فهم يحتاجون إلى التقليل من الاعتماد على الزراعة الصناعية، حيث تتخصّص كل مزرعة في إنتاج متزايد من محصول واحد وتعتمد على تقنيات مضرّة للبيئة، والتحوّل في المقابل نحو الزراعة الدائمة التي تعتمد على مدخلات منخفضة وتنوّع في المحاصيل، وتبرز أساساً في الأسواق المحلية ذات النطاق الضيق.
ويوجد اليوم في فلسطين العديد من المشاريع الزراعية الدائمة التي تستخدم رداً على الاستيلاء على الأراضي وتدمير الإنتاج المحلي للأغذية من قبل المحتل الصهيوني. أبرز هذه المشاريع، مشروع «مركز التنمية المستدامة في الضفة الغربية» في قرية مردة الذي أنشئ في عام 1993، بهدف استكشاف السبل التي تستطيع من خلالها مبادئ الزراعة الدائمة للاكتفاء الذاتي أن تساعد المزارعين الفلسطينيين الذين تصادَر أراضيَهم وتلوّثها المستوطنات الإسرائيلية المحيطة.
وللتغلب على محاولات المستوطنين المستمرة في تدمير الأراضي والمزارع في قرية المردة التي تقع أدنى مستوطنة ارئيل الصهيونية، وعلى مقربة من جدار الفصل العنصري، عرض المركز لتكنولوجيات جديدة في المنطقة، مثل السماد والري وإعادة تدوير المياه، واستخدام المبيدات العضوية. كذلك وفّر المركز للنساء الفلسطينيات تدريبات في مجال الحاسوب ومهارات اللغة الإنكليزية. وكان الرد الإسرائيلي على جهود المركز بعدما استشعر بخطر مبادرته عنيفاً، فاجتاحت القوات الإسرائيلية في عام 2000 المركز ودمّرته تدميراً كاملاً، وقضت معه على سبع سنوات من العمل على مشروع الزراعة الدائمة. ورفض مراد الخوفاش الذي كان يتولّى إدارة المركز الاستسلام، إذ أنشأ في عام 2006 مزرعة جديدة في قرية المردة لمواصلة العمل على تطبيق تقنيات الزراعة الدائمة في فلسطين. وتركّزت أهداف المشروع الجديد على تقديم نموذج لزراعة صديقة للبيئة على نطاق ضيّق. وعن تجربته في هذا المجال، قال الخوفاش في مقابلة مع موقع «الانتفاضة» الإلكتروني، «أحب أن أساعد الناس في بلدي من خلال تعليمهم فكرة زراعة أغذيتهم وجعلهم يعتمدون على أنفسهم في أسواقهم وغذائهم». وعن فوائد هذه التقنيات يوضح الخوفاش أنه «إذا بدأ كل مزارع أو فلسطيني بزراعة الأغذية الخاصة به، فسوف نكون مستقلّين عن السوق الإسرائيلية».
وبالإضافة إلى مشروع قرية المردة، يوجد مشروع آخر هو مشروع «مجتمع بستان القرائقة» ويتخذ من بلدة بيت ساحور بالقرب من مدينة بيت لحم في الضفة الغربية مقراً له.
وفي مقابلة لموقع الانتفاضة الإلكترونية، تحدّثت أليس غراي، وهي من مؤسّسي المشروع، لتؤكّد أنّ الزراعة الدائمة يمكن أن تقدم حلولاً جديدة للمزارعين الذين اقتطعت منهم أراضيهم بفعل جدار الفصل العنصري الإسرائيلي. فقد أشارت إلى أن أحد أساليب الاحتلال للتضييق على الفلسطينيين هو رفض منح الناس البنية التحتية لزراعة أراضيهم، موضحةً أن بعض المزارعين الذين يرفضون التوقف عن زراعة أراضيهم رغم الجدار، يمنعهم الإسرائيليون من الحصول على البنى التحتية الضرورية من كهرباء ومياه.
أمام هذه الوقائع، تقول غراي إن على المزارعين أن يفكروا في السبل التي تمكنهم من توفير المياه، وإذا لجأوا إلى مياه الأمطار فسوف يستطيعون التخلص من الاعتماد على الجانب الإسرائيلي في هذا الجزء. ثم يبرز موضوع كيفية التعامل مع النفايات، وتشرح غراي «إذا كانت المياه نادرة، ولا يوجد مكان لتجميع المياه المبتذلة، فمن المنطقي أن تكون هذه المياه هي السماد» للأرض. وتخلص إلى القول إن رفض الاحتلال تقديم الخدمات للفلسطينيين يمثّل أحد أساليب الدولة الإسرائيلية لفرض أجندة سياسية تهدف إلى القضاء على السكان العرب من البدو «غير المعترف بهم» في النقب، والقرى الفلسطينية القريبة من الجدار، مبديةً اعتقادها بأن إعادة إحياء أساليب الزراعة الدائمة التي قد تكون مألوفة منذ أجيال يمكن أن تساعد على الالتفاف على أساليب الاحتلال.
(الأخبار)