strong>محمد محسنيدخل المراقب الصحي إلى متجرٍ غذائي لتأدية مهامه، فيخاله البائع زبوناً عادياً، ويدعوه إلى انتظار دوره. تتبدّل النظرة حين يعرّف المراقب عن نفسه، ويذهب الظنّ بالفرّان أو الجزار نحو واجهة المتجر، بحثاً عن كاميرا خفيّة، ويصرّ على تكذيبه للمراقب. تتيح هذه القصة التي حدثت فعلاً في أحد المتاجر، الحديث عن ثقاقة مراقبةٍ غذائية شبه غائبة، عند التجّار والزبائن على حدٍّ سواء. ويصبح الحديث تالياً عن مضايقاتٍ وتهديداتٍ يواجهها المراقبون الصحيّون ممكناً، وخصوصاً أن مفاعيل هذه التهديدات أو المضايقات تصل إلى حدود منعهم من ممارسة عملهم.
على الرغم من الصلاحيات التي يمنحها القانون للمراقبين الصحيين، لم يفلح أحدهم في إقناع تاجر أسماكٍ في نقل سمكه من الأرض التي استعملها واجهة عرض، إلى برّادٍ تراعي برودته الشروط الصحية للحفاظ على جودة الأسماك. السبب، رفض التاجر وصراخه بوجه المراقب «مين مفكّر حالك؟». تساؤل عالي النبرة كان كفيلاً بإبعاد المراقب عن «المسمكة».
تبقى مجابهة صراخ بائع السمك سهلةً، إذا ما قيست بالسكّين الذي رفعه جزّار بوجه مراقب صحي دعاه إلى عدم عرض اللحوم في الشارع أمام السيارات العابرة والغبار. الموقف كان كافياً لانسحاب المراقب، حفاظاً «على لحمي الذي هدد الجزار بتقطيعه»، كما يقول.
لا تقف المضايقات عند هذا الحد، إذ إن العنف ليس سبيلاً وحيداً لمنع المراقبين من ممارسة عملهم. يتدخّل الجيران والمحبّون في ظروفٍ كثيرة، ويمنعون إعداد محاضر الضبط أو توجيه الإنذارات بحق جزّارين يخلو سجلّهم الصحي من فحوص مطلوبة، للتأكد من خلو أجسامهم من أمراض معدية، كالسل والتيفوئيد، قد تنتقل إلى الغذاء عبر «عطسة». في المدارس أيضاً، يتدخل مديرون وأساتذة للسماح ببيع القهوة و«النسكافيه»، علماً بأن القانون يمنع وجود هذه الأصناف في دكاكين المدارس، وعندما يسأل المراقبون الصحيون عن السبب، يواجههم البائع بجوابٍ معدّ سلفاً «أنا ما ببيع إلا للأساتذة والمعلمات».
هذه المخالفات وغيرها من قصص كثيرة مشابهة، تشير إلى غشّ يستقوي بسكين الجزار أو بأعراف اجتماعية، تتكل على مقولة «ازرعها بلحيتنا يا أستاذ». غير أن التهديد لا يجب أن يعفي المراقبين من تأدية مهامهم. هم مسلّحون بقوّة القانون الذي يطلق يدهم لتنفيذ صلاحيات بحق المخالفين، قد تبدأ بتوجيه الإنذار ولا تنتهي عند طلب دورية من الدرك، والقدرة على إقفال المحل بالشمع الأحمر. كثيرون منهم لا يستخدمون حقهم القانوني، وخصوصاً المادة 71 من قانون حماية المستهلك، التي تعتبر المراقب من «عداد رجال الضابطة العدلية، وهم عناصر أساسيّون في حماية المستهلك وصيانة حقوقه».