القدس ــ أسامة العيسةانتصر عوديد جولان (58 عاماً)، تاجر الآثار الإسرائيلي المتّهم برفد المتاحف في العالم بأعداد لا تحصى من القطع الأثرية المزوّرة، على خصومه بعد قرار قاضٍ إسرائيلي إعادة النظر في قضايا التزوير الموجّهة إليه. يدير جولان شبكة تعمل بمئات ملايين الدولارات، وتشمل نشاطاتها دول العالم المختلفة. وقد ذاع صيته للمرة الأولى حينما أعلن اكتشافه نقشاً حجرياً يتحدث عن إصلاحات جرت في الهيكل الأول من زمن الملك يوآش. وعدّ النقش أول دليل من خارج التوراة على وجود الهيكل الأول المفترض في القدس. ثم، تصدّر جولان الصحف في تشرين الأول 2002 عندما أعلن الكشف عن تابوت صغير من الحجر الجيري يحوي عظاماً وكتب عليه بالآرامية: «يعقوب ابن يوسف، شقيق يسوع». وقد أحدث «الاكتشافان» ضجة عالمية وقدّر ثمنهما بملايين الدولارات.
بدأت العروض تُغدَق على جولان لعرض «تابوت» يعقوب شقيق المسيح في المتاحف العالمية. وكانت له جولة في متحف أونتاريو الملكي، في كندا، حيث عرض وقدّم عالم الآثار الفرنسي اندريه لومير (المشكوك في صدقيّته لسوابق له في تبني قطع أثرية توراتية مزيفة)، محاضرة حدّد فيها تاريخ التابوت، وأكد صحة ما كُتب عليه. لكن في تلك الأثناء وقع التابوت على الأرض وشعر أحد أطرافه، فبانت لعلماء الجيولوجيا ثقوب في الحجر تُثبت أن حفر القطعة يعود إلى فترة المسيح، لكن النقش المحفور عليها حديث العهد. وبدأ النقاش عالمياً بشأن صحة التابوت، وتدخّلت سلطة الآثار الإسرائيلية. وألّفت لجنتين من 14 عالماً في الآثار، والجغرافيا الجيولوجية، والجيولوجيا، واللغات، لفحص القطعتين الأثريتين المفترضتين. وعرضت السلطة النتائج التي توصّل إليها أعضاء اللجنتين في مؤتمر صحافي عُقد في القدس يوم 18-6-2003، وأثبتت قطعيّاً زيف ادّعاء التابوت والنقش وجود الهيكل، فاعتُقل عويد جولان بتهمة الغش والتزييف في كانون الأول 2004، ووجّهت إليه تهم مع أربعة آخرين بإدارة عصابة دولية لتزوير الآثار وبيعها في المتاحف والمزادات بمئات الملايين من الدولارات. حتى إن السلطات الأثرية طلبت من كل جهة اشترت آثاراً من جولان التأكد من صحتها.
وبدأت محاكمة جولان ورفاقه في صيف عام 2005، لكن بعد الاستماع إلى أكثر من 70 شخصاً من شهود الادّعاء و8000 صفحة من الشهادات، وقعت مفاجأة في المحكمة التي التأمت الأسبوع الماضي، عندما نصح القاضي أهارون فركش الادعاء بسحب القضية، وإغلاق الملف لعدم كفاية الأدلة على تزوير جولان لهذه القطع.
الأكثر سعادة بقرار القاضي هو جولان، الذي تحوّل إلى نجم إعلامي خلال السنوات الماضية، ودافع عن نفسه، في كثير من المقابلات الصحافية والتلفزيونية، والأفلام الوثائقية، ونفى من جديد أن يكون قد زوّر أيّاً من القطعتين. وأثار قرار القاضي، استغراب الكثير من المتابعين، لأن القبض على جولان، رافقه العثور على معمله الذي استخدمه للتزوير، ووضعت الشرطة يدها آنذاك على معدات التزوير، وكمّيات من الأختام في طور التزييف، وقالب لصب تماثيل برونزية للإله الكنعاني بعل، وربما الأهم لوحة حجرية شديدة الشبه بنقش الملك يوآش المزيف، تنتظر التزوير.
ومن المتوقع، أن يفتح قرار القاضي المجال أمام فصل جديد من حكاية النقش والتابوت، وقد يعيد النقاش بشأنهما مجدداً، وبقوة أكبر هذه المرة.