تواصل «مخيمات» استطلاعها لما يدرسه الطلاب الفلسطينيون عن بلادهم، وما هي عيوب مناهجهم التربوية، وخصوصاً في كتب التاريخ والجغرافيا والتربية المدنية، في ظل راهنية هذا التاريخ وتعرّض جغرافيا فلسطين لتغييرات جسيمة ومستمرة توجب مرونة في وضع مناهجها. وبعدما تناولنا طلاب لبنان، هنا تقرير من غزة
غزة ــ قيس صفدي
أن يتضمن درس في منهاج الصف الثاني الابتدائي للطلاب الفلسطينيين رحلة لطلاب من غزة إلى القدس يتعرّفون فيها على المعالم الأثرية والتاريخية، ويجولون في أسواق المدينة المقدسة، ويؤدون الصلاة في المسجد الأقصى شخصياً، فهذا يخالف ما يمكنهم فعله في الواقع، ويتجاهل حقيقة الاحتلال الذي يمنع منذ سنوات طويلة سكان غزة من الوصول إلى القدس.
ويصف الدرس رحلة الطلاب على متن حافلة، وهي رحلة ربما لن يكتب لهؤلاء الطلاب القيام بها أبداً، في ظل الواقع الذي يفرضه الاحتلال، إذ تغاضى واضعو هذا المنهاج عن مراعاة الواقع وضرورة انسجامه مع ما يتلقّاه الطلاب في هذه المرحلة العمرية الحساسة.
في هذا الدرس يقول المدرّس لطلاب الرحلة «القدس عاصمة دولتنا»، من دون أن يتعرّض لما تعاني منه المدينة وسكانها المقدسيون من جرائم إسرائيلية كالتهويد وسياسة هدم المنازل ومصادرة بطاقات الهوية، كل ذلك بهدف تفريغ المدينة من سكانها الأصليين وتهويدها.
ويقول مدرّسون لمواد التاريخ والجغرافيا والتربية الوطنية إنهم يواجهون أسئلة محرجة من الطلاب، إزاء عدم تمكنهم من زيارة القدس كي يشاهدوا المعالم التي يتحدث عنها الدرس ويصلّوا في المسجد الأقصى المبارك، كما جاء فيه.
وقال مدرس مادة التاريخ إبراهيم ديب إنه يحرص على ربط الطلاب بواقعهم الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي، وتعريفهم بالحصار المضروب على غزة، ومئات الحواجز العسكرية التي تفصل مدن الضفة الغربية بعضها عن بعض، رغم عدم تعرض المنهاج لمثل هذه الأمور. كل ذلك بمبادرة شخصية منه.
وأقرّ ديب بأن المنهاج الفلسطيني لم يراع الواقع السيئ الذي يفرضه الاحتلال، معتقداً أن السبب في ذلك هو خشية السلطة الفلسطينية من اتهامها بالتحريض، يقصد من قبل الإسرائيليين بالطبع.
ورغم ما يعتري المنهاج الفلسطيني من نقص وتعارض مع الواقع المعيش، لا بل تجاهل خطير له، إلا أن دولة الاحتلال الإسرائيلي دأبت في السنوات الماضية، وخصوصاً عقب اندلاع انتفاضة الأقصى في أيلول 2000 على الترويج بأن المنهاج الفلسطيني يحرّض ضد اليهود ولا يراعي اتفاقات التسوية السياسية، وذلك من خلال بعض الدروس والآيات القرآنية التي تحضّ على الجهاد والمدرجة في المنهاج.
ووافق الرئيس محمود عباس قبل بضعة أسابيع، على إعادة إحياء اللجنة الفلسطينية الإسرائيلية الأميركية المشتركة لدراسة المنهاج الفلسطيني، والتأكّد من خلوّه من التحريض والدعوة إلى العنف، وذلك استجابة لضغوط إسرائيلية.
وقال ديب إن الطلبة يواجهون تناقضاً بين الشعارات الوطنية وأجواء مجتمعهم وواقعهم، وأحاديث آبائهم وأجدادهم عن فلسطين التاريخية وقراهم ومدنهم التي هجّروا منها إبان نكبة عام 1948، وبين ما تتضمّنه الكتب المدرسية من معلومات ناقصة وعامة، ضارباً المثل بأن المنهاج الفلسطيني لا يتطرق إلى حدود فلسطين مثلاً، فيما تتم الإشارة إلى فلسطين بمصطلح «جزءي الوطن» أي الضفة الغربية وقطاع غزة!
وقال مدرّس التاريخ لطلبة الصف الرابع الابتدائي علي خليفة إن كتاب التاريخ لجميع المراحل يذكر ذكراً عابراً المدن في فلسطين التاريخية، من دون توضيح حقيقة هذه المدن وخضوعها للاحتلال في الوقت الحالي، ومثال ذلك ما يورده كتاب تاريخ للصف الثاني الابتدائي حول قصة عائلة تسافر إلى يافا، من دون توضيح أن هذه المدينة تتعرض كما باقي مدن فلسطين إلى محاولات إسرائيلية محمومة لطمس هويتها الفلسطينية والعربية.
وفي كتاب التاريخ للصف الرابع يشير خليفة إلى أن الطالب يدرس مدناً مثل غزة ورام الله ونابلس وجنين على أنها أهم المدن الفلسطينية، وهو ما يعزز في ذهن الطلاب في هذه المرحلة العمرية المبكرة أن حدود فلسطين هي الضفة الغربية وقطاع غزة حتى وإن لم يتم ذكر ذلك صراحة.
ويرى خليفة أن المنهاج الفلسطيني مقيّد بالاتفاقات السياسية مع الاحتلال، مشيراً إلى أنه تقع على عاتق المدرس مسؤولية وطنية بأن يعوض النقص الذي يعتري هذا المنهاج، ويزوّد الطلبة بمعلومات إضافية كي لا يندثر تاريخ فلسطين مع مرور الزمن، حتى وإن كان لا يمكن إدراج هذه المعلومات في الامتحانات.
لكن موجّه مادة تاريخ الذي يتبع لوزارة التربية والتعليم في رام الله قال إن «كتاب التاريخ الفلسطيني يمنح الطالب الكثير من المعلومات المهمة، ويورد كثيراً من الأحداث التاريخية بالقدر الذي تسمح به الاتفاقات السياسية مع إسرائيل».
وقال الموجّه المستنكف عن العمل تحت سلطة «حماس» في غزة، مكتفياً بالإشارة إلى نفسه بأبو أحمد: «إن منهاج التاريخ لا يمكنه أن يشير إلى قيام دولة إسرائيل على أنقاض فلسطين التاريخية وما ارتكبته من جرائم ومجازر بحق الفلسطينيين، لكنه في الوقت نفسه يورد معلومات مهمة تشير إلى الحق الفلسطيني ومسؤولية الاحتلال عن مشكلة اللاجئين ويؤكد حق العودة».
ويفرّق أبو أحمد بين المنهاج الفلسطيني الذي تم وضعه قبل اندلاع انتفاضة الأقصى في أيلول 2000 وبعدها، لافتاً إلى أن كتب التاريخ التي تم وضعها بعد الانتفاضة تأثرت بجرائم الاحتلال وتضمنت نصوصاًَ أقوى تثبت الحق الفلسطيني.
وقال إن «مفاهيم مثل المقاومة والتحرير واردة في بعض كتب التاريخ والتربية الوطنية، ولكن تتم الإشارة إليها عموماً من دون دعوات صريحة لتحرير فلسطين»، مشيراً إلى ذلك بقصيدة في كتاب السادس الابتدائي تتحدث عن قذف الحجارة في الانتفاضة تم تضمينها في درس عن غاندي واللاعنف.
وأقرّ أبو أحمد بأن «الاتفاقات السياسية مع الاحتلال كبّلت واضعي المنهاج الفلسطيني، وهو ما يظهر في بعض الدروس التي تشير إلى الإرث الثقافي المشترك بين الإسلام واليهودية والمسيحية، والتأكيد مراراً على قيم مثل قبول «الآخر» واحترامه، ونشر ثقافة تقوم على التسامح من دون الإشارة صراحة إلى المقصود بهذا «الآخر».


همّشت وزارة المعارف الإسرائيلية منذ قيام الدولة العبرية التاريخ الفلسطيني. وأخيراً، أعدّت الوزارة 100 مصطلح لتدرّس في المدارس العربية، غالبيّتها حول الصهيونية واليهودية، بينما غيّبت المصطلحات المرتبطة برواية التاريخ العربي الفلسطيني في إسرائيل. وبردّ فعل، أصدرت جمعية ابن خلدون ومركز مكافحة العنصرية كرّاساً عربياً، يشتمل على مئة مصطلح بديل ترتكز إلى الرواية الفلسطينية