حنظلة شايف المُر
لاجئ من الجيل الثالث في مخيمات الأردن ويسعى للعودة إلى فلسطين، لكن مشروع التوطين حوّل هذا السعي إلى سراب، إلا إذا نزل المخلص، له المجد، وعاد القائم عجل الله فرجه. اللاجئ، حنظلة، حدثني فقال: أخبرني أحد المثقفين الأمرار «جمع مُر» أن المثقفين لديهم مدوّنات ينشرون فيها كتاباتهم. وبما أني حمار بالتكنولوجيا شوي، مو شوي، كثير، قررت أن أعود للزمن الكلاسيكي وأن أشتري ما يسمى بالنوتبووك. كما أن الأنترنت في المخيمات ليس مجانياً، وإذا شبك أحدهم نت في البيت فعيون الحساد ستطاله. أما إذا كان ناشطاً سياسياً فتهمة المُخبر ستلتصق به، وسيعير أولاد أولاده واحتمال أن يصبح اسم عائلته بعد 50 سنة «بيت الجاسوس». لذا توكلت على الله ورسله وأوليائه وجميع من له ثقل روحي، وقررت الكتابة. لن أبدأ من البداية بل من المنتصف لأني كما يقولون «حامل السلم بالعرض». وسأبدأ من رمضان الماضي حيث ما إن تدق الساعة 11 ليلاً حتى تتكنس شوارع مخيم شنلر أو مخيم حطين في منطقة الرصيفة بمحافظة الزرقاء بالمملكة الأردنية الهاشمية، من الجزء الآسيوي من التابوت الممتد من المحيط إلى الخليج الذي لا يجد «الماغوط» ثمن المنديل ليرثيه. في تلك الساعة من شهوات الليل المظلم في المخيم، يسود صمت مطبق وتعلو أصوات التلفزيونات. بعد أن ينتهي مسلسل «باب الحارة» حتى ندفع الآلاف من الأطفال، لا أبالغ أنهم آلاف، إلى الشارع.
محمد الأسمر ابن شقيق «الكوكش»، يربط حول خصره حزاماً أخذه من «روب الحمام» الخاص بوالده. يضع فيه قطعة من الخشب على أساس أنها «خنجر» ويلبس طاقية الشيخ «الكوكش» عمه المتدين، ويضع على كتفيه شماغ جده الذي انهال على حفيده بالشتائم لأنه سرق كوفيته. يهجم محمد على أولاد الحارة و»إسحاآآآب ولااااك حريمة» وتبقى المعارك الدمشقية مستعرة حتى تخرج الأمهات تشتم الأولاد وخلفتهم. أما عندما يمر المسحراتي في الليل مطبلاً على «سطل بلاستيكي»، فيخرج له أبو محمد الأسمر وينهال عليه بجميع الشتائم المختصة بالدين وعبارة «ولك يا قواد يا ابن القواد هو في حدا برب هالحارة بصوم عشان تسحر إمه»؟.
انتهت الصفحة الأولى من مذكرات حنظلة شايف المُر. سألته: وما الهدف من هذه الكتابات؟ فأخبرني أنه ينوي طباعتها! ضحكت مستهزئاً. لكن حنظلة أصر على أن مذكراته سوف تُنشر، وقال بيقين تعززه آخر رشفات العرق السيئ السمعة «شولاف» (والاسم كناية عن نوع موجود) إن مذكراته ستصبح مرشداً فكرياً للجيل الألف من اللاجئين القادمين وللحديث بقايا.
الأردن ــــ معاذ عابد

إلى صبابة

صبابة يا صبابة، هل سمعت بقرية اسمها زرعين؟ جدي لأبي جاء من هناك. وتحدث إلى الناس بلهجة الكاف. ولهجة الكاف (على ما إعرف) لهجة أهل شمال الضفة. وبما أن نابلس أكبر المدن هناك، ناداه الناس بالنابلسي فأصبح اللقب كنية عائلتنا. كيف هي لهجة الكاف؟ هل يقولون عن الدقيقة دكيكة؟ أذكر أن عمة أبي أخبرتني أني أكثر الأحفاد شبهاً بأبيها. وأخبرتني نكتة عن رجل من القرية، وضع بضع دجاجات وديكاً في كيس من الخيش ونزل إلى سوق جنين على ظهر الحمار في حر الصيف، وما إن وصل السوق حتى وجد دجاجاته قد فارقت الحياة ونجا الديك فخاطبه الرجل «المشية دكيكة دكيكة والخيشة ركيكة ركيكة ومن وين اجتهن الخنيكة؟ حاكيهم يا بو ركيكع عسالله يكونوا سكارى».
أخبريني هل أنطق النكتة بالشكل الصحيح؟ وهل ما زلتم في فلسطين تتناقلون النكات أم أنها ممنوعة؟ لا أعرف الكثير عن زرعين سوى بضع صور رأيتها عبر الأنترنت. حاولت مشاهدة الصور مرة ثانية فوجدت الموقع حيث كانت، احتل هو الآخر. قرأت في المرة الأولى أن مئتي عائلة كانت تعيش هناك وهجروا بالنكبة. أتراهم ذهبوا إلى مخيمات الضفة؟ أم لعلهم لجأوا إلى الناصرة القريبة؟ أكتب إليكِ وأنا استمع لموسيقى عود يعزفها 3 إخوة من الناصرة. أتعرفين سر حبي للناصرة؟ أحب السينما ومعظم السينمائيين في فلسطين من الناصرة. أتعرفين أن أول مخرج فلسطيني كان من يافا، وعاش بقرب منزلي في مخيم صبرا؟ وأن أول فيلم روائي كان لمخرج من الناصرة عن عرس في الجليل؟ أما زال من بقي من أهل الجليل يقيمون الأعراس كما في الفيلم؟ هناك مخرج ثان يعمل الآن في باريس وهوليوود. رشح لأهم جائزة في العالم، فتواطأوا لمنعه عنها. لم تكن المرة الأولى. فمخرج آخر سبقه إلى الجائزة. فمنعت عنه. ادعوا أن لا وطن اسمه فلسطين! ألم يسمعوا قول شاعرنا أن هذه الأرض سيدة البدايات وسيدة النهايات. كانت تسمى فلسطين صارت تسمى فلسطين؟ وبلهجة أهل زرعين «أنا رايح أكلهم ستبكى تسمى فلسطين».
مخيم صبرا ـ علاء ..