لبنان مهد الحضارات، وبيروت عاصمة عالمية للكتاب. صحافتنا عريقة، وثقافتنا عالية. أو هكذا ندّعي؟ فبالاستناد إلى دراسة إحصائية بسيطة تناولت طلاب كلية الإعلام في الفنار، برزت مؤشرات لا تبشّر بخير مستقبلنا الثقافي
سعاد حبقة
لأن الأرقام أقوى من الكلام، وتحاشياً للوقوع في فخ الأحكام المسبقة، قمنا بدراسة إحصائية شملت طلاب الصحافة كافة في كلية الإعلام، الفرع الثاني، في الفنار، تمحورت حول رؤيتهم لواقع الثقافة في الجامعة ولدورها في تأسيس إعلاميي المستقبل وتعزيز ثقافتهم.
النتيجة: تناقضات فاضحة تطرح تساؤلات عديدة. فقد أوضحت الدراسة أن 61% من الطلاب المستطلَعة آراؤهم يعترفون بدور الثقافة على مستوى الإبداع والتميّز وأن 82% منهم يعتبرون أنفسهم مثقفين، فيما عدد الجرائد التي يقرأونها، أو بالأحرى يلقون النظر عليها، لا تتخطى الجريدة الواحدة، يختارونها طبعاً نسبةً إلى توجّههم السياسي. إذاً، من أين يأتون بالثقافة؟ من الكتب؟ على الأرجح أن لا، فقد أظهرت الدراسة كذلك أن 60% من طلاب الإعلام لا تتعدى قراءاتهم الكتابين سنوياً، وهم يلقون اللوم في ذلك على المنهج التعليمي المفروض عليهم.
وبما أن تلك المؤشرات لا تتعلق سوى بطلاب الإعلام، أي صنّاع الرأي العام المستقبليين، فلا بد من التساؤل عن كفاءة صحافتنا المستقبلية وعلى من يقع اللوم في قتامة صورتها التي لا تبشّر بالخير.
لذا، سألنا عن عوامل نجاح الطالب، فجاءت تقنية الحفظ في المرتبة الأولى، تبعتها اعتبارات الصداقة مع الدكتور في المرتبة الثانية. إذاً، يرتكز نجاح الطالب على عاملين اثنين من شأنهما تعزيز أزمة الإبداع في كلية الإعلام، والكليات اللبنانية الأخرى على الأرجح، لتختصر معهما «فورمول» النجاح بالآتي: احفظ، اكتب، أو اعتمد سلوكية التدليس وصادق الدكتور المحاضر لتنجح.
عندها، توجّهنا مباشرة إلى الأساتذة المحاضرين في الكلية، لاستطلاع آرائهم. «الثقافة لا يمكن أن تُمنح، بل المرء يبلورها»، قال الدكتور لويس حنينة، الذي لم يكفّ عن ترداد عبارات «انقراض الثقافة لدى طلاب الصحافة ودونيّة مستواهم الثقافي» في مقالات عديدة له منشورة، تناول فيها هذه القضية. فيما اكتفى بالابتسام حين أثرنا ضرورة أن يتحدى الطالب نفسه وأن يختبر قدراته انطلاقاً من دوافع تحصيل ذاتية تحثّه على طلب المزيد من التمرس والاضطلاع بالمعلومات.
أما الدكتور جورج صدقة، فقد أكد أن «طلابنا لا يتقبّلون العلم وهم غير مستعدين للقراءة»، مضيفاً، في ما يتعلق بالمنهج، أن «قوة نظام الـ«ل م د» تكمن في أن كل ساعة درس في الصف تقابلها 10 ساعات عمل في المنزل، وهذه العملية لا تطبق بسبب كسل الطلاب، ما يعزّز واقع صحافتنا الأمّية». إلا أن صدقة لا يلقي اللوم على الطالب فقط، بل يحمّل الجامعة جزءاً من المسؤولية كذلك، فـ«منذ أكثر من 7 سنوات، لم يُعيّن عميد لكلية الإعلام، وليس لأيّ فرد في مجلس الجامعة علاقة بالشّأن الإعلامي»، ليؤكد أخيراً أن الثقافة في الجامعة قائمة على ضمير عدد معيّن من الأساتذة ومجهودهم فقط.
تدقّ تلك الاستنتاجات ناقوس الخطر، إذ تضع علامات استفهام حول مستقبل الإعلام في ظل غياب الابتكار عن إعلاميي المستقبل الذين يبقى مستقبل ثقافتهم الشخصية مرهوناً بالتحرر من النص وبحافز الفضول العلمي الذي لا يبدو أنهم يمتلكونه.


الحق على غوغل

في الحيّز التطبيقي، تقتصر مراجع الطلاب على الإنترنت وعلى بعض الدراسات المنشورة، ما يستتبع جمود الأبحاث في الرسائل الجامعية واعتمادها على أفكار الآخرين. في المقابل، تلقى وسائل الإعلام المرئية اللبنانية رواجاً هائلاً لدى الطلاب، الذين يفضّلون مشاهدة «ستار أكاديمي» مثلاً على متابعة مناظرة سياسية أو اجتماعية، علماً بأنهم، هنا أيضاً، يربطون خيارهم للمحطة بتوجّههم السياسي.