تمثل ظاهرة الطالبة ـــ الزوجة أكبر تحدٍّ تواجهه النساء اللواتي يقررن متابعة الدراسة، رغم مسؤوليات الزواج والأسرة الكبيرة الملقاة على عاتقهن، إذ يواجهن معاناة مضاعفة تتجاوز اعتبارات النجاح في الجامعة فقط
أيمن القادري
لم يقف زواج ريمي شاهين (20 سنة)، طالبة اللغة الإنكليزية في كلية الآداب في الجامعة اللبنانية، عائقاً أمام طموحها في متابعة تعليمها، إلا أن أيامها أصبحت، بعد التحاقها بالجامعة، «ماراتونية». فهي تنتهي من دوامها الجامعي عند الساعة الثالثة من بعد الظهر يومياً، تصل إلى منزلها عند الساعة الرابعة تقريباً لتباشر فوراً بمساعدة ابنها الذي يبلغ عمره 5 سنوات في تحضير واجباته المدرسية، بينما تعتمد على «طبيخ حماتي وأكل المطاعم» في أغلب الأحيان كما تروي.
ولكل مرحلة صعوباتها، إلا أن المرحلة الأصعب بالنسبة للطالبة المتزوجة هي فترة الحمل. فسارة زعيتر، الحامل في شهرها السابع، فيما تدرس اللغة الفرنسية، تتحدّى تعبها الجسدي لتكون موجودة في محاضراتها اليومية. إلا أن الظروف الموضوعية لا تساعد كثيراً، إذ إن «الصعوبة الأكبر التي أواجهها هي أنني أضطر كل يوم إلى صعود الدرج مشياً حتى الطابق الرابع حيث صفي، فالجامعة ليس فيها مصعد».
الطالبة المتزوجة لينا اللهيب (35 سنة) سعيدة جداً، لأنها لا تزال تتعلّم، وهي من الطالبات المجتهدات، لا تغيب عن محاضراتها أبداً ولم ترسب في أية مادة دراسية حتى الآن، رغم أنها أم لثلاث بنات، تعتني بهن وبدراستهن. إلا أن الثمن الذي تدفعه مقابل ذلك ليس قليلاً. تشرح: «أعاني أحياناً الضغط النفسي الذي يدفعني مراراً إلى أن أطلب من زوجي توظيف خادمة تحمل عني بعض المشاغل اليومية، لكنه طلب يضطر لرفضه لأنه لا يملك القدرة المادية اللازمة لتحقيقه». غير أن الضغط النفسي الذي تعانيه لينا يمثّل حافزاً إضافياً لها، ويقوّي إرادتها، كما تروي قائلة «عندما كنت طالبة عزباء لم أكن أملك هذه الإرادة التي أملكها اليوم وأنا طالبة متزوجة، فزواجي أعطاني دافعاً أكبر، لأن المسؤولية زادت أكثر، ولأن زوجي لا يتوقف عن دعمي وتشجيعي». فالإرادة، مهما كانت قوية، لا تكفي إذا لم تقترن بدعم الأزواج لزوجاتهم في هذه الحالة.
يعي هشام أيوب، زوج الطالبة الجامعية سهى، أهمية هذا الدعم، «فالأم بحاجة إلى تطوير نفسها وثقافتها حتى تربّي أبناءها، في هذا السياق يجب تشجيعها على إكمال تعليمها، شرط ألا يكون انشغالها في الدّراسة على حساب تزويد الأطفال بالعاطفة والحنان». ويضيف أيوب أنه في أوقات كثيرة يُنجز أبحاث زوجته، ويُسمّع لها الدروس كي تنهي واجباتها الجامعية بسرعة حتى تتفرّغ للاهتمام بابنها الحديث الولادة، الذي يبلغ 7 أشهر من العمر فقط، والذي يبقى عند جدته طيلة النهار بسبب انشغال الزوجين.
«ماما، نحنا مش رح نعمل فوضى ولا رح نفتح التلفزيون عشان عندك امتحانات»، هذا ما يقوله أبناء رنا جرجور الثلاثة لها خلال فترة امتحاناتها الجامعية. فهي تعود إلى المنزل كل يوم متأخرة ومنهكة بسبب دوامها الطويل في الجامعة وعملها كمعلمة في إحدى المدارس خلال أوقات الفراغ بين المحاضرات. فليس الزّوج فقط هو من يقدم الدّعم لزوجته الطالبة، بل جميع أفراد الأسرة، لأن الإرادة وحدها لا تكفي هنا، ويجب أن تقترن بدعم الأقربين.


العلم في الكبر...

هناك أيضاً أمهات كَبرَ أبناؤهن فوجدن أخيراً الوقت للالتفات إلى أنفسهن. وهيبة الخطيب (59 سنة) إحداهن، تدرس اللغة الفرنسية في كلية التربية، حيث تجالس زميلات لها بعمر بناتها من دون «أن أشعر بفارق العمر، مع أنني سأصبح جدّة قريباً. فأنا، مثلهن تماماً، أخاف من الامتحانات» كما تقول. حتى أنها تعمل مدرّسة خصوصيّة لتسديد أقساطها، يدعمها زوج يتحمل نيابة عنها عبء الأعمال المنزلية