في «تجارة البحوث» نموذجان من الطلاب لا يشعر أي منهما بتأنيب الضمير: الأول «بيصرف قد قسطو» لشرائها، فيما يؤمّن الثاني قسطه من بيعها
ريتا بولس شهوان
يلتفّ بعض الطلاب على صعوبة إعداد البحوث الجامعية... فيشترونها! سامي أحدهم. يدخل مكتبة محاذية لجامعته في بيروت، ويغمز للموظف قائلاً: «بدي بحث المُحاسبة سنة رابعة... عندك؟».
يصمت الموظف قليلاً. لا ليفكر في صواب ما يقوم به، بل لأنه يستعرض مصادره. بعدها، يطمئنه إلى أنه سيقوم باتصالاته ليؤمن له المشروع مقابل مئة دولار. زميله رامي، من فرع الهندسة، لم يعترض على سعر مشروع عجز عن القيام به واضطرّ لشرائه. فهو يفضّل «شراء» نجاحه مطبّقاً المثل القائل «شرايتو ولا تربايتو»، فـ«كلّها 100 دولار، ما بتستحق نسقط المادة ونعيدها ولووو!». طبعاً، تعجز المكتبات عن تأمين جميع البحوث الجامعية «يلي بيوصّي الزبون عليها»، إلا إذا «لزّمت» مشاريع التخرج إلى «نوابغ الجامعة» الذين يحتاجون إلى كسب المال من خلال الدرس. فمن «أشطر» من هؤلاء ليؤمن مدخولاً عالياً لمكتبة حوّلت «النجاح» إلى قطاع يستفاد منه تجارياً؟
على حد قول عبّاس، أحد منفّذي هذه المشاريع: «أنا وعم حلّ فرضي، بحل فرض متلو، وبطلع ربحان مصاري». يستفيد عباس من «قلة مروّة» بعض الطلاب، وضيق وقت آخرين، غير عابئ لا بالضمير ولا بأحقية النجاح لمن «طلب العُلى». وعمل هؤلاء «التجار» ليس محصوراً بالمشاريع التي تلزّمهم إياها المكتبات المجاورة لجامعاتهم، بل إنهم يستفيدون أيضاً من زبائن «برّاني» نسبة كبيرة منهم من غير اللبنانيين، أي «دفّيعة». فهؤلاء يدفعون الكثير ليحصلوا على أعلى علامة، فـ«العلامة المنيحة مش مين ما كان قادر يدفع حقها» كما يقول عباس، وخصوصاً أن الأسعار تختلف بحسب نوع المشروع والعلامة التي يبتغيها الشاري.
إذاً، يدفع طالب ما المال ليتيح للآخر بطريقة غير مباشرة إمكانية إكمال تعليمه رغم معاناته من الضيق المادي، في إطار نوع غريب من التكافل الاجتماعي. غير أن العلاقة بين الشاري والبائع ليست مباشرة، فالتجارة قد تجري عبر الإنترنت أو عبر طرف ثالث يلعب دور وسيط، تفادياً للمواجهة، فعلى ما يبدو، يدرك الطرفان عدم أخلاقية هذا النوع من التجارة المستحدثة. في هذا السياق، يُستعان أيضاً بشركات تحويل الأموال بغية «إتمام العملية».
وفيما تصل أسعار المشاريع الجامعية إلى 600$، يرتفع دخل الطالب الذي يقوم بها إلى نحو 1200$، أي ما يفوق المعاش الشهري لمتخرّج هندسة ذي خبرة.
«أين إدارة الجامعة والدكاترة المشرفون على المشاريع الجامعية؟ معقول ما بيلاحظوا؟»، يتساءل أستاذ محاضر في إحدى الجامعات اللبنانية. على ما يبدو، لا يمكن إدارة الجامعة أن تسيطر على تصرفات «التجار»، كما أنه يتعذّر عليها مراقبة كل طالب وحده ومنعه من تلقي المساعدة من زميل له، بالإضافة إلى تعذر إثبات حدوث عملية «دفع» فعلية مقابل تلقي المساعدة.
إلا أنه يظل ممكناً بالنسبة للأساتذة المشرفين على المشاريع والبحوث أن يكتشفوا التزوير في ما يتلقونه من أبحاث ومشاريع متماثلة.
في النهاية، يبقى السؤال: هل سينجح زبائن المشاريع الجامعية في الحياة العملية والمهنية، بعدما هربوا من الاستحقاقات الجامعية؟