لإرسال رسالة الى المحرر، انقر هنا

وائل عبد الفتاح
العصفورة التي مرّت بطهران أقلقت القاهرة. جمال مبارك رفض التعليق على الأحداث الإيرانية، قال إنها «شأن داخلي». عصافير طهران عطّلت جزءاً من خطة مجموعته في تحقيق «ضربة استباقية» وحلّ مجلس الشعب المصري وإجراء انتخابات مبكرة تتيح إعادة ترتيب الخريطة السياسية واكتساب «شرعية» إدارة معركة انتخابية.
المجموعة القديمة المنافسة لابن الرئيس الطموح حذّرت من انتقال عدوى الخروج إلى الشارع. كانت هذه وسيلتها لتوقيف الماكينة الهوجاء التي تسابق الزمن ليقتنص الابن مكان الرئيس الأب.
ورغم أن الشارع خارج حسابات معركة القصور في القاهرة، إلا أن الخوف من العدوى الإيرانية سيطر على طرفي الصراع. المجموعة القديمة خافت من خلخلة عصافير «تويتر» لقبضتها القادرة على عزل تظاهرات الغضب في بقع صغيرة متقطعة، والمجموعة الجديدة لم تجرب الصدام مع تظاهرات تريد التغيير، لكن ليس التغيير الذي يفتح الطريق إلى وراثة الجمهورية.
كلتاهما (القديمة والجديدة) توحدتا ضد رغبة التغيير من خارج القصور. تغيير النظام ككل، لا استبدال رئيس برئيس أو تقوية مجموعة على حساب مجموعة.
عصافير طهران أزعجت النظام كله، وأيقظت داخل أجهزة الوعي رعباً من انتقال العدوى، ولهذا عتّمت أجهزة الإعلام القريبة من النظام على أخبار الاحتجاجات وتقلصت نبرة الشماتة في تصريحات المسؤولين، كما بدا من تحفظ جمال مبارك الذي وصف السؤال عن أحداث إيران بأنه «ساخن»، وهرب منه برد دبلوماسي. كذلك منعت أجهزة الأمن بقوة تظاهرة شباب لمساندة الاحتجاجات الغاضبة من انتخابات الرئاسة الإيرانية.
هكذا استنفر النظام المصري أجسام مناعته في معركة وجود تشترك فيها معه أنظمة العالم العربي وتنظيماته، كل حسب ظروفه الداخلية وموقعه من شبكة العلاقات الجديدة بين أميركا والعالم.
معركة وجود هدفها ليس أكبر من البقاء على رقعة الشطرنج. مشاورات الصلح الثلاثي بين الرياض ودمشق والقاهرة أثمرت في بيروت التوافق على اسم سعد الحريري لرئاسة الحكومة. الخطوات الباقية لا تزال في علم الغيب السياسي؛ فالعالم العربي يفضل الفلك على السياسة، وقراءة اتجاهات الرياح بدل طرح برنامج سياسي يبني القوة ويحقق المصالح.
هكذا تبدو المفاجآت قديمة. دمشق ستبدأ قريباً مشواراً قطعته القاهرة قبل 35 عاماً برعاية من الرياض، وربما القاهرة، إذا حدث اتفاق على قيادة المرحلة الثانية من السفر إلى تسوية القضية الفلسطينية.
تسوية بلا مشاريع (عقلانية أو نضالية). تتفق فيها الأنظمة المعتدلة والمقاومة. والتنظيمات الأليفة والمشاغبة؛ كل ىحسب درجة ثباته، وفي معركة وجود واحدة، يحافظ فيها (النظام والتنظيم) على وجوده متنازلاً عن حدوده وخنادقه وشعاراته.
المشكلة ليست في التحولات المنتظرة من «حماس» أو من سوريا مثلاً، أو في الود الذي سيقابل به بشار الأسد إذا سافر إلى شرم الشيخ، المشكلة أن كل هذا يصبّ في اتجاه سيربك الأوضاع في اتجاه عكسي.
سيبقى فيه الجميع على رقعة الشطرنج بلا مكسب ولا خسارة. الخاسر يموت ببطء. تبقى جثته للاستخدام في لعبة قادمة أو في المزايدة بها أو التشفي فيها. والأنظمة التي انتهت صلاحيتها ستتخشب وتزيد من عمرها وتصبغ فروة رأسها لتعيش شبابها الزائف ولا تقدم شيئاً سوى مرونتها وقدرتها على التحولات.
تحولات داخل المعادلة الواحدة نفسها. لم تدخل قوى جديدة المعادلة. لا يزال التباعد والتقارب بين الأطراف نفسها. إيقاع موت رغم حيوية تغيير المواقف والتحالفات.
التغيير في مصر يسير باتجاه منع التغيير. والتحولات لدى حماس ليست أكثر من استبدال الحلفاء أو تعددهم. كلها مسامير تثبيت تمنع مرور الهواء، بينما توعَد بالرياح اللطيفة.
وهذا سر الانزعاج الجماعي من عصافير طهران.
العصافير التي تفكك الأجساد الصلبة (للأنظمة والتنظيمات) خطر على من اتفقوا على أن تكون المعركة معركة وجودهم هم ولا شيء غيرهم.
مبارك الابن سيكون الوجه المعكوس لمبارك الأب، ونظامه (الموعود) سيكون نسخة معدلة وتحديثاً للقسوة من النظام (القائم).
و«حماس» المعدلة لن تختلف كثيراً عن «حماس» المهووسة بنرجسيتها المصادرة لكل الآخرين.
التغيير ضد التغيير. والتحولات لمنع الهواء الذي يسمح للعصافير بالطيران وتفكيك الطبقات الحديدية التي تحمي أنظمة وتنظيمات متآكلة تمنع قوى جديدة، وأفكاراً جديدة.
ومشاريع لا تنفي العقل مع القوة والتسامح مع الحق والأمن مع العدل. مشاريع تهرب من ثنائيات الخيانة والبطولة والعمالة والوطنية. مشاريع بناء دول جديدة. دول لا تحارب، ومعركة وجودها ضد مواطنيها.