معتصم حمادة *يمكن القول، وبشيء من التدقيق، إن الحالة السياسية في إسرائيل تعيش وضعاً هو أقرب إلى الترقب والانتظار، وأن أكثر من طرف سياسي ينظر إلى حكومة نتنياهو، رغم حداثة ولادتها، على أنها تعيش وضعاً انتقالياً، وأنها ما زالت تفتقر إلى الاستقرار.
إذاً، وخلافاً للنظرة التبسيطية التي ينظر بها العرب إلى الخلافات بين إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، وبين حكومة نتنياهو، بشأن الموقف من الاستيطان، فإن الجو السائد في تل أبيب، بشكل عام، أن الطرفين مقبلان لا محالة على صدام سياسي، قد يوتّر العلاقة بين واشنطن وتل أبيب، وينعكس سلباً على الموقع الإقليمي للدولة العبرية، بحيث تتعرّض لضغوط دولية، تؤدّي فيها الولايات المتحدة دور رأس الحربة، كما تتعرض من خلالها أيضاً لعزلة سياسية يقطف ثمارها الفلسطينيون والعرب بشكل رئيسي، لذلك لا تتوقف الصحف الإسرائيلية عن التنبيه إلى خطورة ما هو قادم، كما لا تتوقف عن الدعوة إلى تجاوز هذا القطوع عبر الوصول مع الأميركيين إلى حلّ ما.
ويرى الإسرائيليون أن حكومتهم تعيش وضعاً معقّداً، فهي من جهة تحتاج إلى دعم الولايات المتحدة ومساندتها عند استئناف العملية التفاوضية. تحتاج إليها لتضغط على الفلسطينيين للقبول بما هو معروض عليهم من اقتراحات حلول، ولتضغط على الأطراف العربية لتطبيع علاقاتها مع تل أبيب، بما يُضعف المفاوض الفلسطيني (واستتباعاً السوري) ويقوّي موقع المفاوض الإسرائيلي، القوي أصلاً.
وهي من جهة أخرى، مرشّحة لأن تتصادم معها، إذا ما أصرت على مواصلة مشاريعها الاستيطانية في الضفة الفلسطينية، وخاصة أن واشنطن، كما أكدت المعلومات، تمتلك الآن تقارير وافية عن أوضاع المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك عن مئات الشقق الفارغة، الأمر الذي يدحض الزعم الإسرائيلي بشأن البناء الاستيطاني تلبية للنمو الطبيعي لأعداد المستوطنين. فيما ما هو متوافر من شقق سكنية فارغة، يوفّر لإسرائيل الفرصة لاستيعاب مئات العائلات الجديدة في مستوطنات الضفة دون أن تلجأ إلى بناء ولو شقة واحدة، أو حتى توسيعها.
وواضح للعيان أن رفض نتنياهو وقف الاستيطان لا يعود إلى أسباب أيديولوجية بحتة، كما يحاول البعض أن يصور الأمر، فتجميد الاستيطان لا يعني بالمفهوم الأيديولوجي للفكر الاستيطاني الإسرائيلي أن إسرائيل تخلّت عن «حقها» (المزعوم) في الاستيطان في الضفة الفلسطينية المسمّاة «يهودا والسامرة». بقدر ما يعني ممارسة تكتيك سياسي معيّن لفترة معيّنة، وبهدف خدمة الاستيطان نفسه بالمعنى الاستراتيجي، وخاصةً إذا ما كان هذا التجميد سيُكسب إسرائيل دعماً سياسياً دولياً، فضلاً عن الدعم المالي والعسكري
الأميركي.
إنّ نتنياهو يرفض وقف الاستيطان لأنه، كما يرى المراقبون الإسرائيليون، بات أسير وضع حكومي قام على التحالف مع اليمين المتطرف (أفيغدور ليبرمان) ومع اليمين المتدين المشهور بانتهازيته (حزب شاس المتدين الشرقي). وبات نتنياهو يتخوّف إن هو استجاب لضغوط الولايات المتحدة، أن ينفرط عقد حكومته، وأن تذهب البلاد إلى انتخابات جديدة، قد يعود فيها حزب «كديما» إلى منصب رئيس الحكومة. كما يقول المراقبون إن نتنياهو، يتخوف في السياق أن يخسر موقعه في زعامة «الليكود» تحت وطأة معارضة التيار اليميني الأكثر تطرفاً في الليكود لسياسة الرضوخ لضغوط الولايات المتحدة بشأن الاستيطان.
لكن مراقبين إسرائيليين، يقفون على الرصيف الآخر للمشهد السياسي يلاحظون أن في هذه الرؤية مبالغة متعمدة في التشاؤم، وطلي للوضع السياسي الإسرائيلي بالسواد. ويقول هؤلاء، في ما يقولونه، إن نتنياهو يملك في الوقت الراهن مخرجاً لمأزقه، بحيث يستجيب لرغبات أوباما في وقف الاستيطان، ويحافظ في الوقت نفسه على موقعه رئيساً للحكومة. والمخرج، كما يراه هؤلاء المراقبون هو خطاب نتنياهو نفسه في جامعة بار إيلان، وقد التقى في معظم نقاطه تقريباً مع حزب «كديما»، الذي يتزعم معارضة الحكومة داخل الكنيست.
وفي التفاصيل، يرى المراقبون أن مواقف نتنياهو تطابقت في معظم المواضيع مع مواقف «كديما»، من حيث المبدأ، وإن تكن قد اختلفت في بعض التفاصيل.
ــ فالليكود وكديما مع قيام دولة فلسطينية منزوعة الأنياب، وتعيش في ظل الهيمنة العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية الإسرائيلية. الطرفان مع الفصل بين اليهود والفلسطينيين، دون أن يرقى هذا الفصل إلى توفير الفرصة لقيام دولة فلسطينية بالمعنى الحقيقي للكلمة.
ــ والطرفان يرفضان الاعتراف بحق اللاجئين في العودة. وهما مع توطين اللاجئين في الدول العربية المضيفة، وأن يكون لإسرائيل رأي ملزم في آليات استيعاب الدولة الفلسطينية لمجموعات من اللاجئين في الشتات.
ــ كذلك يلتقي الطرفان عند اعتبار إسرائيل دولة يهودية ووطناً قومياً لليهود، وإن كان «كديما» لا يرى في الاعتراف الفلسطيني بهذا الأمر شرطاً مسبقاً لاستئناف المفاوضات.
ــ والطرفان يلتقيان على أن القدس «الموحدة» هي عاصمة إسرائيل ويرفضان الانسحاب منها، كما يرفضان الانسحاب حتى حدود الرابع من حزيران (يونيو) 67. ويعتبران أن جدار الفصل والضم العنصري هو الخطوط العريضة لحدود إسرائيل، بما في ذلك ضم الأراضي الفلسطينية الواقعة غربي الجدار.
ــ كما يلتقي الطرفان عند ضرورة التمسك بالكتل الاستيطانية في الضفة وضرورة ضمها إلى إسرائيل في أي حل دائم مع الفلسطينيين.
ويرى المراقبون أن هذه التطابقات الواسعة بين الطرفين تمثّل أساساً كافياً لإعادة صياغة التحالف الحكومي، بحيث يدخل «كديما» حكومة نتنياهو، ويوفّر لها الأغلبية البرلمانية (مع حزب العمل) إذا ما استقال ليبرمان وانتقل إلى ضفة المعارضة. أما «شاس»، فإن المراقبين يرون أنه حزب شرقي متدين، قابل للرشوة السياسية، وخاصة إذا ما تسلّم وزارتي الداخلية (المعنيّة بمنح الجنسية الإسرائيلية لأصحابها) والتعليم الديني (المعنية برعاية المدارس والمعاهد الدينية). فالأولى تمكّنه من تطبيق رؤيته لتعريف من هو يهودي. وفي هذا سابقة حرم خلالها الكثيرين من المهاجرين الروس جنسيتهم الإسرائيلية بذريعة أنه لا تتوافر لديهم شروط الانتماء إلى الدين اليهودي. والثانية تمكّنه من توفير الدعم المالي لمدارسه ومعاهده الدينية. ولقد سبق لأحد زعمائه، أرييه درعي، أن نهب إحدى هاتين الوزارتين لمصلحة مشاريع الحزب التعليمية والاجتماعية واضطر إلى دخول السجن بتهمة السطو على المال العام والفساد.
وإذا دخل «كديما» الحكومة، يمكن عندها الحديث عن حكومة «وحدة وطنية» إسرائيلية لاستقبال الاستحقاقات التفاوضية على الجانبين الفلسطيني والسوري، واستحقاقات الملف النووي الإيراني. كذلك يمكن استعادة تجربة شامير ـــــ بيريز في التناوب على رئاسة الحكومة مناصفة زمنياً.
وبالتالي لا نستبعد أن يصبح الحديث عن حكومة «الوحدة الوطنية» في إسرائيل هو موضوع الساعة في الأيام القليلة المقبلة.
* عضو المكتب السياسي
للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين