عادت عصابات سرقة السيارات إلى ممارسة نشاطها على امتداد الأراضي اللبنانية. وفي هذا الإطار، سجّلت التقارير الأمنية ارتفاعاً في عمليات السلب، خلال الأسبوع الفائت، وذلك في جميع المناطق، وخصوصاً في مدينة زحلة
زحلة ــ نقولا أبورجيلي
بيروت ــ محمد نزال
بدأت القوى الأمنية مطلع شباط الفائت حملة لمطاردة عصابات سلب السيارات. ظهرت الحملة أكثر جديّة من الحملات التي سبقتها، وصبّت القوى الأمنية جام غضبها على عصابات السلب في البقاع، بعد استشهاد أربعة من جنود الجيش اللبناني يوم الاثنين 13 نيسان المنصرم. في تلك الفترة، تراجع ورود عمليات السلب والسرقة في التقارير الأمنية بنسبة ملحوظة، إذ تحوّلت العصابات إلى موقع الملاحَق، وخصوصاً بعد مشاركة الجيش الفعّالة في عمليات الدهم. لكن في الأسابيع القليلة الماضية، لحظت المناطق اللبنانية عموماً، وزحلة خصوصاً، موجةً مخيفة من عمليات سرقة السيارات، سلباً وتحت وقع التهديد حيناً، وسطواً في الليل حيناً آخر.
وفي الحديث عن الليل، لم يكن إلياس يتوقع سرقة سيارته الهوندا، من أمام منزله، ليل الجمعة ـــــ السبت الفائت. ركنها هناك بسلام. يعود تاريخ صناعة سيارته إلى عام 1988، أي منذ 21 عاماً، لذا اعتقد أن قِدمها لن يغري عصابات سرقة السيارات. لكنه كان على خطأ. جاء أحد ما وسرقها من مكان وقوفها، في بلدة تربل (قضاء زحلة). وفي الليلة نفسها، فُقدت سيارة من نوع مرسيدس طراز 280، من أمام منزل صاحبها سمير رحال في بلدة المعلّقة القريبة. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، في محيط مدينة زحلة. ففي اليوم التالي، حاول مسلحون سلب سيارة من نوع جيب شيروكي، رباعية الدفع، كان يقودها المواطن يوسف سيدي، أثناء مروره في سهل بلدة الفرزل. أطلق المسلحون نيرانهم باتجاه السيارة التي أصيبت بعدة رصاصات. ثمة مشهد بوليسي في الحادثة، يُخشى أن يصبح روتينياً. نجح السائق في الإفلات من السالبين هذه المرة، ولاحظ أنهم تابعوا طريقهم باتجاه بلدة الدلهمية. هناك وقعت محاولة سلب أخرى رجّح مسؤول أمني لـ«الأخبار» أن تكون العصابة هي نفسها التي قامت بها. ويمكن تفاصيل الحادثة، أن تؤكد نظرية الاشتباه بتلك الفرضية. فشل السالبون في عمليتهم مجدداً. كان «صيدهم» في المحاولة الثانية، سيارة أخرى من نوع جيب رباعية الدفع. يبدو أنهم لا يرغبون إلا في تلك النوعية. اللافت في الحادثة، أنهم أطلقوا النار أيضاً، في محاولتهم الجديدة. نجا صاحب السيارة جريس قشقش من الموت بأعجوبة، بعدما اخترقت عدة رصاصات هيكل السيارة. وفي السياق نفسه، نقلت وكالات الأنباء، أن المواطنة أ.خ ادعت على مجهولين، بتهمة سلب سيارتها (من نوع نيسان) بقوة السلاح، وذلك في منطقة كسارة زحلة. لم تستطع الإفلات منهم، على غرار سائقَي السيارتين الرباعيّتي الدفع. كانت الضحية أنثى هذه المرة، ولم تسعفها أنوثتها، إذ أرهبها السالبون. وجاء في الادعاء أن أشخاصاً مسلحين، يستقلون سيارة مرسيدس اعترضوا طريق الضحية، عند الساعة الثانية والنصف فجر الاثنين، وأجبروها على النزول من السيارة. نزلت خوفاً من نيران أسلحتهم الحربية. أما هم، فغنموا السيارة، وهربوا بها باتجاه منطقة البقاع الشرقي، كما أكدت لرجال الأمن. وكان يوم السبت هو الآخر، قد شهد سرقة سيارة من نوع شيروكي سوداء، من منطقة حوش الأمراء، يملكها أحد سكان المنطقة. توالت الأحداث، وفي الليلة نفسها، سُرقت سيارة من نوع شيروكي لاريدو، يملكها جريس شعيا من أمام منزله في مدينة زحله. هذه المرة طالت السرقة قلب المدينة. وقال مسؤول أمني لـ«الأخبار» إن القوى الأمنية إزاء هذا الوضع، كثّفت إجراءاتها، وأطلقت أكبر عدد من الدوريات، ونشرت الحواجز المتنقّلة، ما أدى إلى توقف هذه العمليات في مدينة زحله وجوارها.
وفي السياق نفسه، استنكر مجلس نقابة أطباء لبنان الاعتداء الذي تعرّضت له الطبيبة أوغيت خلف، وسرقة سيارتها بقوة السلاح في مدينة زحلة، مطالباً المراجع الأمنية بالتحرك الفوري.
لكن هذا لم يعنِ انتهاء هذه الموجة من الرعب. فقد انتقلت إلى بيروت. وسجلت تقارير أمنية، عدة حوادث من هذا النوع، اخترقت ضجيج الشغب الأمني الذي تفاقم في أزقة عائشة بكار. فقد استغلت العصابات انشغال القوى الأمنية بضبط الإشكالات الأمنية بين مسلّحي الميليشيات، لترتكب عدة حوادث جنائية، من بينها سرقة سيارة من نوع داتسون صنع 1981، تملكها ليلى قاعور. سُرقت السيارة القديمة، من أمام منزل صاحبتها في منطقة أرض جلول. وفي الجميزة، شارع باستور، سُرقت سيارة المواطن جورج زيادة الحديثة، وهي من نوع مرسيدس. لا يعرف السالبون وقتاً محدداً للسطو، كما أنهم، حسب ذكر الحالات وفقاً للمصادر الأمنية الرسمية، لا يميزون بين سيارات قديمة، وأخرى جديدة. باتوا يسرقون كل ما تصل إليه أيديهم: والدليل حادثة جونيه مثالاً. إذ أوقف طوني سيارته بالقرب من مستديرة اللويزة (جونيه)، ونزل منها برفقة زوجته للتبضّع من أحد المحالّ التجارية. كان ذلك في الحادية عشرة ليلاً، فسمح الظلام الداكن للون سيارة الـX5 الرصاصي، بأن يلمع في عيني أحد السالبين. نفّذ الأخير المهمة بمفرده، من دون الحاجة إلى عصابة. استغل نزول صاحبها ورفيقته منها، واستقلّها. فوجئ بالعاملة الفيلبينية للوهلة الأولى. لكنه تدارك الأمر، وشهر مسدساً حربياً في وجه ماي (27 عاماً). سيطر الرعب على العاملة، التي رافقت السالب في طريقه، حتى أنزلها على مقربة من أحد المجمعات التجارية في منطقة ضبيّه. وأشارت تقارير أمنية، إلى أن أوراق السيارة، وأوراق صاحبها الثبوتية، ذهبتا ضحية السلب المفاجئ. تجدر الإشارة، إلى أن عدداً كبيراً من المطاعم، والمراكز التجارية الضخمة، في وسط العاصمة ومحيطها، يحاول تدارك الأمور المشابهة، في الآونة الأخيرة، عبر التشديد على عمّال مواقف السيارات، بعدم التساهل في تسليم السيارات إلا بعد التأكد من هويّة أصحابها بالطرق اللازمة. وفي الحديث عن المطاعم، والمجمعات التجارية، يجب التوقف عند حادثة سلب مشابهة، وقعت في منطقة المعاملتين، على الطريق البحرية. هناك، أغرت سيارة X5 كحلية، ثلاثة سالبين، بعدما لحظوا لوحتها السعودية. قطعوا الطريق على سائقها بواسطة سيارتهم الباجيرو. نزلوا من سيارتهم، وأطلقوا النار، لكنه تمكّن من الفرار. استدركوا الوضع، وسلبوا سيارة BMW أخرى متوقفة على جانب الطريق، وإن لم تكن هدفهم الأساسي. صعدوا فيها بعدما هدّدوا سائقها وزميله السوريَّين، وفرّوا باتجاه مدينة جونيه. كانت وجهتهم معروفة حتى لحظة تواري سيارتهم عن الأنظار فقط.


سرقة «القديمة» لسلب «الجديدة»

أكد مسؤول أمني رفيع لـ«الأخبار»، أن عصابات السيارات، تسرق سيارات قديمة، تمهيداً لاستخدامها في سلب سياراتٍ أخرى حديثة بقوة السلاح، إذ إن الإضافات التقنية للسيارات الجديدة، تصعّب على السالبين سرقة هذه السيارات بالطرق التقليدية ذاتها، التي يستعملونها لسرقة القديمة منها. وبعد التدقيق في بعض حالات السلب أخيراً، يمكن تفسير هذه النظرية بطريقة علمية، حيث لاحظت تقارير أمنية، قيام المشتبه فيهم بعمليات السلب (زحلة والبقاع تحديداً) بواسطة سيارات مسروقة، أو مسلوبة قبلاً. ودفعت هذه المعطيات القوى الأمنية خلال الفترة السابقة التي كثّفت فيها حملاتها الأمنية، إلى الإيعاز لقطعاتها بالتحرك وتفعيل عملها لمواجهة العصابات وتفكيكها من الداخل. يذكر أن القوى الأمنية اللبنانية، نجحت خلال العام الحالي، في توقيف مشتبه فيهم بالقيام بعدد كبيرٍ من عمليات السلب بقوة السلاح، ولم يخلُ توقيفهم من تداعياتٍ لاحقة، لأسباب عائلية ومناطقية. وفي السياق نفسه، لا بد من الإشارة، إلى توقيف أشخاص غير لبنانيين، يُشتبه في قيامهم بمثل هذه النوعية من الأعمال.