مع الزمن «تطورت» خيم اللاجئين لتصبح منازل، بعضها، لكونه مؤقتاً، لم يبن أصلاً على أساسات، ولا يتحمل أكثر من طابقين. لكن الموقت استمر، والطوابق ارتفعت، فهل ستتحمل الأساسات إذا وجدت كل هذا الضغط؟ الجواب مخيف
قاسم س. قاسم
«500 منزل في مخيم برج البراجنة بحاجة لتدعيم أساساتها» يقول مسؤول كبير في الأونروا. لكن المصيبة في مخيم شاتيلا أعظم، إذ إن «50% من المنازل الموجودة في المنطقة الوسطى في المخيم مهددة بالسقوط» حسب أبو حرب، عضو اللجنة الشعبية ـــــ منظمة التحرير، الذي قال لنا عندما سألناه عن اسمه الكامل «خيي أبو حرب، اصرخ أبو حرب وكل الناس بتجيبك لعندي». أما سبب الخطر فهو عدم وجود أساسات لأغلب المنازل التي يقطنها اللاجئون. فهم بنوا بيوتهم عشوائياً، ولوقت قصير، مبدئياً، لذا لم يهتموا ببناء أساسات، وشيدوها على الأرض مباشرة. لكن ما الذي قد يدفع اللاجئين للبناء بهذه الطريقة وعدم الاهتمام بسلامتهم الشخصية؟ «لأننا كنا بحاجة لسقف يحمينا» يجيب الرجل السبعيني محمد الأشوح ابن مخيم شاتيلا. يشرح الأشوح الطريقة التي اعتمدوها في بناء منازلهم وهي مباشرة بنائها على «حجارة بطح». وفي تفسير العبارة يقول «كنا نبطح الحجارة بعضها جنب بعض ونبني الحيط، ونضع أترنيت على السطح». تطور السقف مع الوقت وتحول مع الأيام من «الأترنيت» إلى الباطون، لكن عملية التطور هذه لم تطل الأساسات التي ما زالت الغائب الأول، والخفي، في منازل اللاجئين. شهدت منازل شاتيلا في فترات سابقة حروباً عدة، وتضرر أغلبها بسببها. الدمار الذي أصاب المخيم ساهم بتدمير جزء كبير منه وتصدع المنازل الأخرى. جاءت الأونروا وعاينت الدمار فقررت هدم أطراف مخيم شاتيلا بالكامل وإعادة بنائها من جديد. أما المنازل التي أصيبت جزئياً فرممت لكن من دون أساسات. اليوم عادت المشكلة للظهور مجدداً، وخصوصاً مع بدء الأونروا عملية إعادة تأهيل البنى التحتية للمخيم. عقدت اجتماعات وأنشئت لجان واتُّفق مع الأونروا على التعويض على أصحاب هذه البيوت لو سقطت بسبب الأشغال. أما إن سقط ضحايا من الناس؟ فالأمر غير واضح ولو أن الأهالي قالوا إنه سيصار إلى التعويض على الضحايا! المهم، انطلق المشروع. أبناء شاتيلا أبدوا تخوفهم على منازلهم من الحفريات القائمة، أما في مخيم برج البراجنة فللمنازل قصة أخرى.
تغيرت ملامح مخيم البرج وأصبح من الممكن رؤية بنايات داخل المخيم. ارتفعت هذه البنايات أو الطوابق الإضافية فوق بيوت أسسها لا تتحمل أكثر من طابقين. كما ساهمت المياه المالحة التي تستعمل في «الجبلة» بتزايد الأزمة من خلال تفتيت الحديد داخل الأساسات. لكن في المخيم لا أحد يهتم لهذه التفاصيل، فالكثافة السكانية آخذة بالارتفاع و«الوالد يبني لابنه فوقه» كما قال أمين سر اللجنة الشعبية ـــــ تحالف القوى في مخيم البرج أبو وليد العينين، وهذا ما يدفع «إلى توسع المخيم عمودياً». يشرح أبو العينين أن «الصواريخ التي ألقاها الإسرائيليون خلال حرب تموز ساهمت بزعزعة أسس البنايات» مضيفاً أن «الأونروا أجرت مسحاً ووجدت أن أغلب البيوت بحاجة لترميم».
مشكلة الترميم وإعادة الترميم كانت موضوع اللقاء الذي جرى في مركز الأونروا بين سلطان أبو العينين، علي فيصل، ومروان عبد العال مع المدير العام للأونروا سيلفاتوري لومباردو ونائبه محمد خالد. تطرق المجتمعون خلال حديثهم إلى إعادة ترميم مخيم برج البراجنة الذي لم «يأخذ سوى دقائق» كما قال أحد المشاركين في الاجتماع لـ«الأخبار»، ويضيف أنّ «نائب المدير العام وضّح أنه لا أموال لإعادة ترميم المنازل في مخيم برج البراجنة». أما بالنسبة للمقررات التي اتخذتها الأونروا فيقول مسؤول كبير فيها «إننا نعاني شحاً في المال». مضيفاً «إننا نضع خطط مشاريع ونقدمها للدول المانحة بانتظار تمويلها». ويضيف المسؤول «إن اللجان الشعبية في المخيمات تضغط علينا، مع العلم أن الأونروا هي التي تقدّم المشاريع لا هم». يكمل الرجل حديثه مذكراً بالتقديمات التي تقوم بها الأونروا من «ترميم منازل في مخيم برج الشمالي بعد تلقي هبة من الإمارات بقيمة خمسين مليون دولار، وإعادة ترميم 120 بيتاً في مخيم برج البراجنة العام الماضي بهبة مقدمة من اليابان والدنمارك».
عود على بدء، 500 منزل بحاجة لإعادة ترميم في مخيم برج البراجنة، وخمسون بالمئة من منازل شاتيلا قائمة بدون أساسات. الأونروا لا تزال تقدم مشاريع لمن يريد تمويلها، أما لسان حال اللاجئين فـ«لله يا محسنين».


تأمين ضدّ الانهيار

قدّم المقاول المسؤول عن إعادة ترميم البنى التحتية في شاتيلا ضمانات للأونروا ولسكان المنازل التي يمر المشروع أمامها، لافتاً إلى أن «التأمين جاهز، ويغطي جميع الأضرار التي قد تحصل». وطمأن إلى أن «ميزانية هذا التأمين تبلغ ملايين»، كما يقول مسؤول كبير في الأونروا. هذه الضمانات جاءت ردّاً على احتجاجات الأهالي المتخوّفين من سقوط منازلهم جراء الحفريات. لكن، هل يطال التعويض سقوط الضحايا؟ يجيب المسؤول الكبير «لم نتكلّم بهذا الموضوع، ولكن إذا لا سمح الله وصلنا إلى هذا الاحتمال، فالمقاول هو المسؤول». إلا أنّه استبعد إمكان حصول هذا الأمر.