سوزان هاشمطويلةٌ هي المسافة التي يقطعها خالد (الصف الثانوي الأول) يوميا، من مخيم القاسمية إلى ثانوية الأقصى في مخيم الرشيدية، وهي الثانوية اليتيمة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «لأنروا» في منطقة صور. ليس وحده خالد الذي يتكلف عناء الانتقال من مكان الاقامة إلى هذه الثانوية البعيدة ويهدر وقتاً ومالاً، فمعظم زملائه في المدرسة الوافدين من التجمّعات والمخيمات الفلسطينية في منطقة صور يتقاسمون المعاناة عينها نظراً لبعد الرشيدية عن تلك الأماكن.
أما وائل فتنطبق على حالته مقولة «أطلب العلم ولو بالصين»، إذ أن رحلته اليومية من عدلون إلى الثانوية تستغرق قرابة الساعة يوميا، وتكبده مئة ألف ليرة لبنانية شهرياً قيمة بدل نقل، والحال ليس افضل بكثير بالنسبة لباقي طلاب التجمعات، الذين يدفعون على حدّ قولهم ما بين خمسين ومائة ألف ليرة شهرياً، وبالطبع هذا المبلغ يعدّ باهظاً نسبة للأجور الزهيدة التي يتقاضاها الأهل. وناهيك عن ذلك، فإن بعد المسافة وما يرافق من إجراءات أمنية تفرض بين الحين والاخر، على مداخل المخيمات تحرم العديد من طلاب من الحصص التعليمية الأولى. وقد زادت هذه الإجراءات عن حدّها خصوصاً بعد أزمة مخيم نهر البارد. أضف إلى ذلك، أن بُعد الثانوية عن معظم التجمعات الفلسطينية في منطقة صور وما يرافقه من أعباء مالية على الأهل والطلاب، يساهم في زيادة نسبة التسرّب المدرسي من بين الطلاب الفلسطينيين، والتي تجاوزت نسبة 30%.
هذه المعاناة ليست جديدة، فمنذ ست سنوات واللجان الشعبية بحسب تعبير أحدها، ترفع الصوت عالياً بوجه «الانروا»، من أجل تشييد ثانوية في مركز وسط يجمع كل اللاجئين الفلسطينيين في منطقة صور، ولكن بحسب المصادر نفسها، فإن الاونروا تصم اذانها، وجلّ ما تردده دائماً على مسامع هذه اللجان « أمنوا أرض وإذا لقينا التمويل اللازم نباشر بالمشروع». ويتابع المصدر «أما حين يُقترح عليها تحمل نفقات بدل النقل، فإنها تتذرع بشحّ الموارد».
بيد أن الحقيقة تكمن في أن «الاونروا تتهرب من مسؤولياتها، وليس من أولوياتها المشاريع التربوية»، كما يقول مدير مركز التنمية الانسانية سامر منّاع. ولعلّ الرأي الأصح في هذا الإطار ما قاله مصدر تربوي رفيع في وكالة «الأونروا» لـ «الأخبار» وهو أنّ «الأونروا لم يكن اهتمامها الأول التعليم، ولكن الضغط الذي مارسته اللجان الشعبية واللاجئين الشباب في لبنان دفعت هذه الوكالة إلى إنشاء الثانوية الأولى في بيروت مطلع التسعينات وهي ثانوية الجليل». وبهذا، يكاد يكون لبنان الإستثناء الوحيد بين الدول العربية التي تحوي لاجئين فلسطينيين، من ناحية بناء الثانويات التابعة للأونروا. هو استثناء، ولكن ليس لأنّه يحاول تأمين التعليم للفلطسينيين، ولكن لأنّ «انتساب الطلاب الفلسطينيين إلى مؤسساته التعليمية الرسميّة أشبه بالمستحيل». وفي هذا الإطار يشرح منّاع أنّ المشكلة التي يواجهها الطالب الفلسطيني هنا أنّ «النظام في المدراس والجامعات اللبنانية الحكومية يحدد نسبة 10 % كحد أقصى من الطلاب الفلسطينيين المسموح إنتسابهم إليها، مع إشتراط معدل معين من العلامات». وهنا، يلعب الحظ والمعارف والعلاقات الدور الأبرز ليكون أحد الطلاب من العشرة في المائة، باعتبار أن الدولة اللبنانية لا تزال تصنف اللاجىء الفلسطيني على أنه أجنبي مقيم على أرضيها.
تجدر الإشارة، الى ان هذه المدرسة كانت في السابق تحت رعاية منظمة التحرير، إذ كانت تعرف بثانوية «القدس الشريف»، و كان طلابها يداومون فيها فقط، ويتسجلون رسميا في مدارس خاصة، استمر الوضع على هذا المنوال حتى 1996، حينها قررت الاونروا ونتيجة الضغوطات، أن تشرف وتدير هذه الثانوية التي أطلقت عليها إسمها الحالي، وهي تتألف إضافة إلى غرف الانشطة من 23 غرفة ، يتوزع عليها 770 تلميذ من المرحلة الثانوية. وبذلك «تنتفي مشكلة إزدحام الطلاب في الصفوف، كما هو الحال بالنسبة لباقي مدارس الأنروا»، يقول أحد أساتذة الثانوية رافضاً الكشف عن إسمه، مردفاً أن المطلوب فقط هو نقل مبنى المدرسة إلى موقع اخر، مع إبقاء على المساحة الحالية. كما ويشدّد على أن تكون الثانوية خارج المخيمات لتحريرها من التجاذبات السياسية والأمنية، وهو ما يحصل غالبا إذ يؤدي إلى تعطيل الدروس، فيكون مشوار التلامذة إلى المدرسة من دون جدوى.