سمير يوسفداخل السيارة الرباعية الدفع كان المقاوم يشبك يديه. على ما أذكر أيضاً كانت السيارة بيضاء وصغيرة كالعلبة. بالطبع كان يمكن لقذائف «المورتار» المنهمرة أن تخترق سطحها لكننا لم نخرج منها. لا أدري إن كنّا مرهقين لدرجة الاستهتار أم فاقدين الأمل.
كانت الآلية التي علقت بشجرة عارية صامتة، وكذلك نحن. قلت للبركة الحمراء جانبي إنّ هذه الشجرة من دون لون ولا حتى رماد. أجابتي أنّها تشبه المدينة أجمع.
في الماضي ــــ وأقصد بالماضي حين ركبت بجانبه داخل السيارة ــــ اتفقت أنا و«الفريق» الجالس خلف المقود، أنّ الموت لا يمكن أن يخطفنا لأنّه الجهة السابعة في نرد من ست جهات كالسيارة التي نركبها. أمر غريب أننا قدمنا تعريفاً للموت، بسبب تسلّط الحرب والمجاعة. ما هي إلا لحظات حتى سمعنا أصوات قنص متتالية، شعرت بأننا نقف كالأرانب أمام أحد الكواسر. استمر القنص حتى بدأ يطال الجهات واحدة تلو الأخرى. قلت للفريق لحظتها إنّي سأنزل إلى السوبرماركت وأشتري مسحوق غسيل لصديقتي التي تعشق الغسل، فردّ أنّه سيرافقني. لحظة وضعنا اليد على مقبض الباب سمعنا صوت الراديو المشوش داخل السيارة. قال المذيع حرفياًَ: «الأرض حرقت لكن تحررت، بقي فقط بعض أعمال القنص على ضفة المدينة إلا أنّ القيادة العسكرية صرحت بأنّ القصف يستهدف المدنيين لأنّه لا جنود هناك».
كنّا في حاشية العلبة بمثابة جهة سابعة لنرد، ملّ الموت سكناه فينا وخرج منّا ومنّا وحدنا.