تتوجّه الأنظار غداً إلى مجلس القضاء الأعلى، الذي يعقد جلسة له لتصويب التداعيات الحاصلة بعد إطلاق سراح الضباط الأربعة. وإزاء ذلك يُتوقع أن ترفع السلطة القضائية الصوت عالياً مذكّرة بأنها سلطة مستقلة، في الوقت الذي سيقدم فيه وزير العدل مشروع قانون لتعديل المادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، المتعلقة بمدة التوقيف الاحتياطي
محمد نزال
يجتمع مجلس القضاء الأعلى غداً، في جلسة دعا إليها وزير العدل إبراهيم نجار لبحث تداعيات إطلاق سراح الضباط الأربعة، بعد 3 سنوات و8 أشهر من السجن تحت عنوان «التوقيف الاحتياطي».
وعلمت «الأخبار» أن بيان مجلس القضاء الأعلى، سينفي إمكان حصول أي استقالات من جانب القضاة، كما سيشير إلى عدم قبول التجنّي أو التشهير بسمعة أي قاضٍ، وأن المؤسسات الدستورية هي الأطر الوحيدة التي يمكن أن يحاسب القضاة عبرها. فهناك تفتيش قضائي يتولّى هذا الشأن، لا جهات من خارج مؤسسات الدولة. كما سيشير البيان بحسب مصادر مطّلعة إلى الترحيب بتعديل المادة 108 ذات الصلة بـ«التوقيف الاحتياطي»، بيد أن هذا أمر عائد إلى السلطة التشريعية بحسب الأصول الدستورية.
ويطرح الوزير نجار في الجلسة مشروع قانون أعدّه لتعديل المادة 108 من «قانون أصول المحاكمات الجزائية»، التي تنص على أنه «ما خلا حالة المحكوم سابقاً بعقوبة مدتها سنة على الأقل، لا يجوز أن تتعدى مدّى التوقيف في الجنحة شهرين، يمكن تمديدها مدة مماثلة كحد أقصى في حالة الضرورة القصوى. وما خلا جنايات القتل والمخدرات والاعتداء على أمن الدولة والجنايات ذات الخطر الشامل، وحالة الموقوف المحكوم عليه سابقاً بعقوبة جنائية، لا يجوز أن تتعدى مدّة التوقيف في الجناية ستة أشهر، يمكن تجديدها لمرة واحدة بقرار معلل». ويبدو أن هناك شبه إجماع وطني على تعديل هذه المادة، لإضفاء الطابع الإنساني عليها، وجعلها أقرب إلى العدالة.
فقد أيّد الوزير خالد قباني الدعوة إلى إجراء هذا التعديل، وفي حديث له مع «الأخبار» رأى أنه «من اللازم تعديل المادة 108، للحد من السلطة الاستنسابية جداً للقضاة، التي تتيح لهم توقيف المستجوب لمدة تتجاوز الحدود المقبولة، التي تصبح مخالفة للمعايير القانونية». ولفت قباني إلى محاولة جرت لتعديل هذه المادة عام 2001، «إلا أن الحسابات السياسية حالت دون إقرار التعديل آنذاك، وبقيت على ما هي عليه».
وفي السياق عينه، أيّد النائب غسان مخيبر تعديل هذه المادة، إضافة إلى العديد من القوانين الأخرى، لتتناسب مع المعايير الحقوقية والإنسانية العالمية. مخيبر، وهو مقرر لجنة حقوق الإنسان النيابية، دعا إلى إلغاء المجلس العدلي، لأنه كمحكمة، لا يراعي حقوق الإنسان، أو إلى أحداث إمكان وجود محكمة استئناف في هذا المجلس، معتبراً أن قضية الضباط الأربعة، تمثّل «إدانة للنظام الجزائي اللبناني بالدرجة الأولى، أو بالحد الأدنى تمثّل حدثاً أظهر حجم الأخطاء الموجودة فيه، ولا سيما أن القضاء الدولي لم يوقف الضباط بحجة عدم وجود أدلة كافية لوضعهم في التوقيف الاحتياطي».
وأسهب مخيبر في الحديث عن وجود مئات الموقوفين «بطريقة تعسفية لا تتلاءم مع معايير حقوق الإنسان في السجون اللبنانية، التي تمثل إساءة إلى مبدأ المحاكمات العادلة، إذ إن قرينة البراءة هي الأصل، بينما التطبيق أمر مختلف». وفي المقابل، لم يحمّل مخيبر القضاة كامل المسؤولية، إذ رأى أنها «مسؤولية مشتركة بين القوانين السيئة بحد ذاتها، والتطبيق السيّئ أيضاً لهذه القوانين».
وتجدر الإشارة إلى أن قضية الضباط الأربعة، أجّجت الحديث عن موضوع «التوقيف الاحتياطي»، الذي ما كان ليثار لو أن الموقوفين كانوا من عامة الشعب، ولكن «شهرة الضباط الأربعة وحساسية القضية، جعلتاه يطفو إلى السطح، وبالتالي فإن مظلومية الضباط أثارت هذا الموضوع، ودفعت باتجاه إعادة النظر في التشريعات القضائية لجهة مواءمتها مع العدالة على المستوى الأخلاقي، علماً أن السجون تعج بمواطنين يرزحون تحت رحمة التوقيف التعسفي، بعيداً عن مبادئ حقوق الإنسان وحريته»، بحسب ما رأى النائب حسن يعقوب، الذي لم يحبّذ في حديثه مع «الأخبار» أن تكون الإصلاحات القضائية المرتقبة متأتية من «ردّ فعل على ما حصل مع الضباط الأربعة».
بيد أنه رحّب باقتراح تعديل المادة 108 من «قانون أصول المحاكمات الجزائية»، داعياً إلى أن تشمل الإصلاحات «بنية النظرة القضائية في لبنان، من أجل إصلاح شامل للجسم القضائي».
بدوره، طالب رئيس مجلس شورى الدولة الأسبق، القاضي يوسف سعد الله الخوري، بتعديل المواد القانونية المتعلقة بالتوقيف الاحتياطي، مشيراً إلى إمكان مقاضاة الدولة من جانب من لحق به ضرر نتيجة تعرّضه للظلم قضائياً، ومطالبته بتعويضات مادية ومعنوية عبر تقدّمه بشكوى إلى مجلس شورى الدولة.
وعلّق الخوري على النموذج الأبرز للتوقيف «التعسفي»، لافتاً إلى أنه «لا يجوز اتهام القضاء اللبناني بأنه غير نزيه برمّته، بل يمكن القول إن هناك قضاة غير نزيهين»، داعياً إلى عملية «تطهير للقضاء اللبناني ومحاسبة المقصرين».
وتجدر الإشارة إلى أن البعض عمد إلى رمي الحمل على المادة 108، في كل ما قيل عن بعد تشريعها عن «أنسنة القضاء»، بيد أن «شرعة الحقوق المدنية والسياسية» المقرّة في لبنان بموجب قانون صادر عام 1973، تلزم في المادة الثانية منها إعطاء الأولوية لتشريعاتها، إذا تعارض التشريع الداخلي مع معاهدة دولية، كما أوضحت «منظمة حقوق الإنسان الدولية» في رأيها الذي أرسلته عام 2008 إلى الحكومة اللبنانية.