أحمد محسنينتشر التذمر بين المواطنين على رقعة واسعة من الأراضي اللبنانية. شمالاً، يستقبل أوتوستراد طرابلس زوار المدينة، باحتمالات الموت القاتمة. على مدخل المدينة، من جهة الأوتستراد، تفصل فجوة بطول مترين تقريباً، خطي الذهاب والإياب من طرابلس وإليها، حيث يرتفع الجسر من جهة الدخول إلى المدينة، عن الجهة الخروج منها، ما يؤدي إلى سقوط كثير من السيارات في الفجوة. تستقر هذه السيارات في «الطريق القديمة» كما يسميها أهل الشمال. ديما، إحدى ساكنات المدينة، التي تعمل في بيروت، لا تذكر أي محاولة لإصلاح هذا الخلل، منذ نشأتها حتى اليوم، على الرغم من قسوة الحوادث التي يعاني منها «الشماليون» هناك. تستفيض ديما في شرحها، لتروي حادثة مؤلمة على الأوتوستراد. أودى الحادث آنذاك، قبل عام ونصف، بجندي في الجيش اللبناني سقط في الفجوة التي تفصل الطريقين. «نزف دمه طويلاً على الأرض»، تقول ديما بتأثر بالغ. وفي الشمال أيضاً، لفت مواطن آخر إلى مكان أكثر إثارة: «كوع الجماجم». لا يحتاج اسمه إلى تعريف، فالجماجم هناك، هي جماجم الذين سقطوا في حوادث سير مروّعة، أودت بأيامهم بين أرجائه. يقع «الكوع» الشهير في مدينة أنفه على «الطريق البحرية القديمة»، على طريق سالكة بالاتجاهين. يصفه أحد المواطنين بأنه «يأخذ شكل زاوية 90 درجة مئوية»، ما يسبب انحرافاً للسيارات، وتالياً مقتل كثيرين. ونزولاً باتجاه مدينة البحر، جبيل، أحوال مشابهة. تذكر جيسيكا منها «جسر جاج». الجسر الذي أنشأه الانتداب الفرنسي قبل الاستقلال، وما زال يحتفظ بشكله القديم. المثير في الأمر، أن الجسر المذكور يربط بين بلدة عمشيت (بلدة رئيس الجمهورية التي فيها منزله الصيفي) من جهة، ومدينة جبيل من جهة أخرى. العديد من الحوادث تقع هناك بسبب الاهتراء الحاصل في تفاصيل الجسر العتيق. ما زال الجسر يرقص بعابريه. يطل على الوادي أيضاً، من دون أي حوافٍ أو سياج يمنع تدحرج أي سيارة إلى عمق الوادي. وبعد حادثة مماثلة، قبل أشهر، تعرضت سياة يملكها أحد النواب لحادث على الجسر «الأثري»، وضعت بعض الحواجز الإسفلتية على الجانبين، بيد أن ذلك لا يبدو للمواطنين على أنه اهتمام بالسلامة العامة، أكثر مما هو «ثأر» لانزلاق سيارة النائب. لا إنارة على الجسر، وعلى المارة أن يخترعوا الضوء. وفي اتصال مع «الأخبار» أكد مسؤول في بلدية جبيل، أن وزير النقل والأشغال العامة غازي العريضي، يتعامل بإيجابية مع طلب البلدية بإصلاح الجسر الذي أكل الزمن أجزاءه. ووصف المسؤول مشروع إصلاح الجسر بأنه «على نار حامية»، وهي «حماوة انتخابية»، كما وصفتها جيسيكا. لا يختلف الأمر كثيراً في البقاع، حيث وقع الحادث أمس. حمزة الذي يزور بيروت دائماً، شدد على ضرورة ذكر طريق «تل الأبيض»، مردفاً أن «البقاعيين سيفهمون جيداً ماذا يعني»، قاصداً بذلك كثرة حوادث السير هناك. ويستقبل هذا «التل»، الذي لم يعد «أبيضَ» من شدة الحوادث فيه، زوار بعلبك من مدخلها الشرقي. ويضيف حمزة إلى ذلك، طريق «رسم الحدث» بين بلدتي شعث والبزالية، حيث تحدث «مجازر»، كما نعتها الشاب البقاعي. «في الصيف المنصرم مر أسبوع من دون وقوع أي حادث، فاستغربنا كثيراً»، أردف حمزة ساخراً، مذكراً بالإهمال «الذي اعتاد عليه البقاعيون»، والطرق ليست سوى شكل من أشكال هذا الإهمال برأيه. الجنوب له حصته من الإهمال أيضاً، وفي دير الزهراني خصوصاً.
ما زالت أشباح الصدم والحوادث منذ أربعين عاماً، تحصد عابري ضفتي دير الزهراني، التي يقسمها الأوتوستراد إلى شطرين. أكثر من ثمانين قتيلاً هناك حتى اليوم. لا جسور مشاة هناك، ولا إشارات سير. مجرد سيارات طائرة على زفت المرحلة الانتخابية، لتحصد أجساد العابرين.