حسن ياسينبعد مدة من تأليف الحكومة قصدتُ مكتب وزير الأشغال العامة والنقل من حيث إنه كان زميلي في الدراسة، وكنت لفترة طويلة رفيقاً له في الحزب، وذلك بهدف التهاني ومحاولة للحصول على تلزيم، وخاصة أنني مهندس وأملك مؤسسة للمقاولات. ولأنه لم يكن لديّ موعد، ولأن أشغال معالي وزير الأشغال كثيرة طبعاً، لم أستطع الدخول لمكتب معاليه.
وبعد مدة حصلت على موعد وكانت الزيارة لمعالي الوزير في مكتبه في الوزارة، وبعد التهاني طلبتُ منه تلزيماً فأجابني حرفياً: «بسيطة خلّي الشباب يظبّطولك ملف» واتصل بمدير الطرق موصياً بي، وغادرت وأنا راضٍ عن
الزيارة.
وكم كانت دهشتي كبيرة عندما تكررت زياراتي لمدير الطرق دون أن تؤدي إلى أية نتيجة ودون أي اهتمام يذكر منه، رغم أنني في كل زيارة كنت أردد كثيراً اسم معالي الوزير، وذلك للتذكير، وكنت أرى التلزيمات تمر وتعطى إلى المتعهد نفسه (متعهد واحد في كل محافظة).
أما كيف ترسو هذه التلزيمات فمهزلة المهازل: فتدعى إلى استدراج العروض خمس شركات يملكها أو يسيطر عليها بطريقة ما المتعهد المحظي، ولفت نظري أن متعهد منطقة البقاع رسا عليه حوالى 75 تلزيماً منها 57 لعام 2009 فقط، والمضحك المبكي أن هذا المحظي كان يوزع التلزيمات على زملائه المتعهدين مقابل نسبة كبيرة من الأرباح مضافاً إليها ما دفعه في الوزارة، وقد علمت أن هذا المتعهد الكبير لا يملك أية معدات ولا ينفّذ أية تعهدات بل هو وسيط (سمسار
فقط).
ولكثرة زياراتي ومراجعاتي في الوزارة، نشأت بيني وبين أحد الموظفين علاقة صداقة، وبعد إلحاح لبّى صديقي دعوتي إلى الغداء في مطعم، وقررتُ أن أتوجه إليه مباشرة ودون مواربة فصارحته بأني مستعد أن أدفع حتى ألفي دولار ثمناً لتلزيم، فضحك صديقي ضحكة فيها كثير من السخرية وقال: أنت لا تعرض سوى 7% تقريباً من المطلوب، فأجبته أن الوزير أوصى بي لدى المدير المسؤول، فقال: هذا لا يعني شيئاً، ولتحصل على تلزيم يجب أن ينزل اسمك من فوق (يقصد الوزير) بورقة خاصة، فأجبته: على الأقل وجّهوا إلي دعوة للاشتراك في استدراج العروض، فضحك صديقي مجدداً وقال: مجرد أن توجّه لك دعوة يعني أنك أصبحت من أصحاب الحظوة، وعندها سيرسو عليك تلزيم أو تأخذه من الباطن من المحظي الكبير مقابل سعر يحدده هذا الأخير.
وأسرّ لي صديقي في الجلسة نفسها أن هناك بعض التلزيمات تعطى للمدير المذكور أو لموظف في مديريته معروف وتابع مباشرة لـ«فوق» وبأسماء شركات تعود لأقربائهم وأنسبائهم.
وهنا سألت صديقي لمَن تدفع هذه المبالغ؟ أجابني: 25% من قيمة كل تلزيم تدفع مباشرة للمدير و5% للجنتين معروفتين في الوزارة وبعض الموظفين الذين يعدون الملفات وينظمونها، وهذه النسب معتمدة في التلزيمات التي تنفّذ (وهنا خفض صديقي صوته) لأن هناك بعض التلزيمات لا تنفّذ أو ينفّذ قسم منها ويقبضها المتعهد كاملة.
عذراً إن أسأتُ إلى أحد، فلقد ترددت كثيراً قبل أن أكتب ولكن ما دفعني هو إطلالات الوزير المتكررة على شاشات التلفزة ووسائل الإعلام مقدماً نفسه للناس على أنه البطل القومي للشفافية والأخلاق والسياسة الحكيمة، فيَمُنّ على الناس بالمشاريع التي يطلقها وكأنه يدفعها من جيبه ويمنّنهم بالزيارات المباركة التي يقوم بها، علماً بأنه وإن حصل خطأ ما كما في طرابلس مثلاً، فالحقّ دائماً على الوزير السابق أو على أحد الموظفين أو حتى على الوزير اللاحق، وأخيراً الحق عالطليان ولا يمكن أبداً أن يكون الحق على
معاليه.
ولفت نظري أيضاً إطلالة الوزير الإعلامية عندما خاطب موظفي التنظيم المدني بأنه سيعاقب وينقل ويطرد مَن يشاء دون أن يتذكر أن هذا الموظف موجود في مركزه بحكم القوانين، وأن التعاطي معه يتم من خلال هذه القوانين
والأنظمة.
عذراً يا زميلي ورفيقي الوزير، وأعلم أنني أعطيتك سبباً وجيهاً لتطلّ مجدداً عبر الشاشات ووسائل الإعلام وتحاول بفصاحتك البليغة وبلاغتك الفصيحة أن تنفي ذلك، وسيشهد لك مديروك وموظفوك ومتعهدوك بالعفّة والنزاهة؛ رحم الله العفّة ومعها الشيخ زنكي. وقبل أن أختم أنصحك يا صديقي بأن تتولّى في الوزارة المقبلة وزارة الإعلام فتطلّ علينا كل يوم بابتسامتك العريضة وصوتك الهادر.